منصة الصباح

حرية الصحافة نسبية في العموم ومقيدة في المطلق

حرية الصحافة نسبية في العموم ومقيدة في المطلق

بالحبر السري

بقلم: علي الدلالي

اطلعت هذا الأسبوع على التصنيف الأخير لمنظمة “مراسلون بلا حدود” لحرية الصحافة ولاحظت أن أكثر من 10 دول عربية بينها بلادنا تذيلت كالعادة مؤشر حرية الصحافة العالمي وأن ليبيا تراجعت في تصنيف العام 2023 عن العام الماضي بواقع ستة مراكز وحلت في المركز 149 عالميا.

ورغم أهمية مثل هذه التصنيفات العالمية لحرية الصحافة إلا أنها تبقى، في اعتقادنا، تصنيفات مجحفة ولا تعبر عن الواقع نظرا لوقوع معظم المنظمات والهيئات الدولية التي تشرف عليها تحت تأثير المصالح السياسية للدول الكبرى و”اللوبيات” النافذة ناهيك عن سياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجها القوى العظمى وتفرضها على الأرض وساكنتها.

مرت الذكرى الأولى لرحيل الصحفية في قناة (الجزيرة)، شيرين أبو عاقلة يوم 11 مايو الماضي بعد أن اغتالتها قوات الاحتلال الإسرائيلي أثناء توغلها واقتحامها مخيم جنين بالضفة الغربية المحتلة، رغم أنها كانت ترتدي سترة الصحافة، ولا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تعمل بقوة على طمس هذه القضية رغم أن الفقيدة الراحلة تحمل الجنسية الأمريكية. ومن هنا كان يجب على “مراسلون بلا حدود” تصنيف الولايات المتحدة قريبا من ذيل القائمة على الأقل.

لم يتطرق البيت الأبيض ولا الخارجية الأمريكية ولا مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، في البيانات الرسمية الأمريكية، إلى مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة بمناسبة إحياء اليوم العالمي لحرية الصحافة يوم 3 مايو الجاري، واكتفى الرئيس الأمريكي جو بايدن بإثارة قضية صحفي محتجز في روسيا بتهمة التجسس وآخر مختفي في سوريا منذ 11 عاما والسبب يعود بطبيعة الحال إلى الحرص على عدم إزعاج الحليف الإستراتيجي، الكيان الإسرائيلي، المتورط في دم شيرين أبو عاقلة على الهواء مباشرة، ودماء آلاف الفلسطينيين التي يواصل سفكها كل يوم منذ أكثر من 70 عاما، والخوف من هيمنة اللوبي الصهيوني على مؤسسات صنع القرار الأمريكية ومن يد البطش والإرهاب للموساد الإسرائيلي.

كتبنا في عديد المناسبات أن حرية الصحافة مسألة نسبية وإن كانت الفجوة عميقة جدا وهائلة بين الأنظمة المصنفة “دكتاتورية وشمولية”، والأنظمة المصنفة “ديمقراطية”، إلا أن هذه وتلك تلتقي في نفس أساليب البطش والقمع وحتى القتل إذا أحست بخطر الكلمة.

يحكي الفيلم الهوليوودي(Kill the Messenger)، الذي تم إنتاجه عام 2014 القصة الحقيقية للمراسل الصحفي الأمريكي غاري ويب الذي دمرت الحكومة الأمريكية حياته تماما بعدما كشف تورط وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في تسليح متمردي (الكونترا) في نيكاراغوا واستيراد الكوكايين إلى كاليفورنيا، في ثمانينيات القرن الماضي.

وأصبح ويب بسبب الوقائع التي نشرها في سلسلته المشهورة تحالف الظلام (Dark Alliance) عام 1996، هدفا لحملة تشويه كبيرة من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية كان لها تداعيات خطيرة على حياته الشخصية والعائلية، وتعرض الصحفي الأمريكي أيضا لأشكال متعددة من الترهيب والتهديد الذي طال أسرته ووصل إلى حد فقدانه وظيفته. غير أن الصادم والموجع هو انقلاب أصحاب الجريدة التي يعمل فيها ويب عليه تحت الضغط، وتهميش التقارير التي نشرها في هذا الخصوص من قبل رؤساء تحرير كبريات الصحف الأمريكية وقتذاك بسبب الحسد الناجم عن الفوز عليهم بذلك السبق الصحفي من الوزن الثقيل.

وفي عام 2005، وجد غاري ويب ميتا في شقته مصابا بطلق ناري في الرأس، ليتجدد الجدل حول ما إذا كان انتحر كما أكدت التقارير الرسمية الأمريكية أم قُتل.

بالعودة إلى تصنيف “مراسلون بلا حدود” فيما يخص بلادنا نعتقد أن الحكومة مدعوة إلى مواكبة المتغيرات المحلية والدولية، ليس في مجال التقنيات المتطورة فحسب وإنما من خلال تخفيف القبضة الحديدية لأجهزتها الأمنية وحتى السياسية على وسائل الإعلام وسن القوانين اللازمة لترقية المشهد الإعلامي الليبي وتطوير الكليات المختصة في مجالات الإعلام والصحافة والفنون.

إن الحكومة الحالية كما سابقاتها وأي حكومة قادمة لن تقبل إلا بـ “صحافة التمجيد” ما لم يقم الصحفيون الليبيون بتوحيد مواقفهم ورفض حالة الإستقطاب التي تعيشها البلاد اليوم ونبذها، والإلتزام بأخلاقيات “صاحبة الجلالة”، ومضاعفة الجهود لدفع السلطة التشريعية لإصدار قانون جديد للصحافة والمشاركة في صياغته، والسعي الجدي لتأسيس النقابة العامة للصحفيين وبيت الصحافة الليبية وبناء النوادي الخاصة بالصحافيين الليبيين في ربوع ليبيا.

شاهد أيضاً

نَحْنُ شُطَّارٌ فِي اخْتِلَاقِ الأعْذَارِ

باختصار د.علي عاشور قبل أيام قليلة نجحنا نحن الليبيون في ما يزيد عن خمسين بلدية …