منصة الصباح

وقائع حلم متأخر..قليلاً!

زايد .. ناقص

جمعة بوكليب

لو تجرأتُ، وفتحتُ الباب أمام سرّ حلم سَكنَ قلبي، وتمكّن منّي مؤخراً ،  لكنتُ عُرضةً لأقاويل غيرمرضية، وغيرمنصفة في حقّي. ولربما أُتهمتُ ظلماً بتهم ليس أقلها خَرف الشيخوخة، أو أوهام المتقاعدين ومعاناتهم في صراعهم مع الفراغ.

وربما يتشجع البعض بتماديهم في التفنن  في فبركة تفسيرات نفسية للحالة  التي أمرُّ بها في مرحلتي العمرية هذه، وتعدد أعراضها. وكأن الحلم حكرٌ على مرحلة عمرية محددة لايتجاوزها. وأنا واثقٌ من حقيقة أن الأحلامَ عابرةٌ للزمن، وأدركُ  أن قلةً من أصدقائي، لايتجاوز عددهم أصابع يد واحدة، سيصدقونني لو شاركتهم سرّي، وسيفرحون، بل سوف  يتدافعون لتشجيعي على تحقيقه. وللأسف الشديد، فإن تلك القلة، الصديقة والصدوقة، غادرت هذا العالم الأرضي. وربما كان غيابهم المحزن أحد الأسباب، ضمن أشياء وأسباب أخرى،  جعلت الحلمَ يَطبُّ، فجأة، في قلبي، ويربك ايقاع نبضاته، ويسرق النوم من عينيّ.

حلمي الذي استحوذ عليَّ،  يتمثل في  عزمي على حزم أمتعتي في حقيبة صغيرة، والطيران إلى باريس، والإقامة بها لمدة سنة كاملة لتعلم اللغة الفرنسية! الحلمُ، إذا توفرت شروطه، قابل للتحقق والتنفيذ: إذ ما المانع في تعلم كبار السن، من الجنسين، لغة أجنبية إن أرادوا؟    الملاكم الأمريكي “جو فورمان”  فاز ببطولة العالم للوزن الثقيل للمرة الثانية، وهو في سن تقترب من الخمسين! وحين سُئل عن كيف تمكّن من تحقيق البطولة في ذلك العمر، أجاب إنه  رجل بأحلام كثيرة، ولا يتوقف عن الحلم، لأن التوقف يعني موته. وفي روايتها الأخيـــــــــرة والجميلة ” حليبٌ ساخن” تقول الكاتبة البريطانية “ديبوره ليفي” على لسان بطلة الرواية ” أمر انتهاء الحلم متروك للشخص الحالم ليقرر ذلك، وليس بامكان أحد آخر فعله نيابة عنه.” وهذا بدوره يعني أنني شخصياً  من يقرر أمر مصير حلمي. وعليه، ساتجاهل وحش الزمن الذي أعتلى، قسراً بثقله كتفيّ الهرمين، وأحقق حلمي في السفر إلي باريس، وتعلم اللغة الفرنسية. المشكلة الوحيدة، عمليا وفعلياً، أنني لتنفيذه في أمسّ الحاجة إلى قُفّة مليانة فلوس لا  أعرف من أين أحصل عليها!!

باريس مدينة جميلة. زرتها زيارتين سريعتين، أتاحتا لي التعرف على معالمها ومتاحفها التاريخية. لكن العلاقة بيننا لم تتوطد لها آواصر. أضف إلى ذلك، أن حلمي بالسفر والإقامة بها، في هذه المرحلة المتأخرة نسبياً من عمري، ولد عقب مشاهدتي ، شريطاً سينمائياً بعنوان ” منتصف الليل في باريس “كتب قصته، وأخرجه المخرج الأمريكي “وودي آلان.”

الحقيقة أن علاقتي بـ “وودي آلان”، كممثل ومخرج، أقدم وأرسخ من علاقتي بباريس وبغيرها بكثير من المدن. ولا أخفي سرّاً إن قلت إنني أعشق مشاهدة افلامه. وأنا مقتنع بأنه مدرسة لوحده في الفن السينمائي، وأضاف إليه الكثير. وخلال السنوات الأخيرة، لم يعد ممكناً المجاهرة بمشاعر طيبة نحوه، أو الإشادة بفنّه السينيمائي وبمواهبه، بعد ذيوع مزاعم تحرّشه جنسياً بابنته بالتبنّي، وما أثارته من زوبعة، رغم انكاره لها، ورفضها من قبل الجهات القضائية.  العديديون من الممثلين والممثلات وغيرهم من العاملين في الوسط السينمائي  تبرئوا علنياً من صداقته. وقرأتُ، مؤخراً، أن شركة “أمازون” انسحبت من مشروع انتاج آخر مشاريعه السينمائية، وأن الشركات الموزعة ترفض توزيع أفلامه.

السؤال الذي أراه ضرورياً ماذا سيكون مصير النتاج الابداعي السينمائي الذي قدّمه خلال نصف قرن أو يزيد؟ هل سيتم التخلص منه بالقائه في بحر النسيان؟ ومن الخاسر؟

لاوقتَ متوفر لديَّ، حالياً، للبحث عن الجواب، كي لا أتأخرَ عن تدبر أمر تحقيق حلم تأخر…قليلاً!

شاهد أيضاً

(عن ايام الطباعة نار ورصاص واورام )

زكريا العنقودي انا ولد مطبعة وكبرت من عمري 15 العام بين الحبر والاوراق ، وللعلم …