منصة الصباح

عن النشرِ والناشرين

عن النشرِ والناشرين

جمعة بوكليب

ما نقرأه على الغلاف الأخير لكتاب، من تعليقات وملاحظات حوله، يكتبها في العادة نقّادٌ أو مؤلفون أو غيرهم ،تعدُّ، بلاشك، مهمّة، لأنها بمثابة كوةٍ صغيرة للقاريء، يطلُّ منها على محتوى الكتاب، ومدى جودته، قبل أن يقتنيه. أنا شخصياً أهتم كثيراً وأحرص على قراءة تلك التعليقات القصيرة، التي تنشر على الأغلفة الخلفية للكتب، وأبدي أهتماماً أكثربأسماء مًن كتبوها. أحياناً، إذا راقتني كتابة التعليق، ولم أعرف صاحبه من قبل، أنصرف عن شراء الكتاب. الثقة، في هذه المسالة تحديداً، تلعب، في رأيي الشخصي، دوراً مهماً في ذلك. هناك كُتّابٌ ونقّادٌ يحترمهم المرءُ، ويثق في ذائقاتهم الأدبية، أو آرائهم النقدية. وبالتأكيد، فإن آخرين غيري لهم عاداتهم الخاصة في شراء الكتب، وفي الحكم على كتب، كتبها مؤلفون لا يعرفونهم، أو لم يسمعوا بهم من قبل. ومن المهم التذكير، بأن أغلب، إن لم يكن كل تلك التعليقات، التي تطبع على الأغلفة الخلفية للكتب، تصبُّ في صالحها وفي صالح مؤلفيها، ولو كانت غير ايجابية لما وجدت طريقها إلى النشراطلاقاً.

الملاحظاتُ والتعليقات التي تنشر على الغلاف الخلفي للكتب تسمى باللغة الانجليزية(Blurbs) . وفي بريطانيا، هناك كتّاب يتعيّشون منها، من مختلف التخصصات، ويؤجرون لذلك الغرض، تلجأ إليهم دور النشر المختلفة. في أحايين أخرى، تتجاهلهم دور النشر، بان تلجأ إلى طباعة مجموعة أولية صغيرة من كتاب ما، قبل توزيعه على المكتبات وطرحه للتداول، وتقوم بتوزيعها على محرري الصفحات الثقافية والمتخصصة في مختلف الصحف. وتنتظر حتى تنشر تلك الصفحات قراءات حول الكتاب، كتبها نقّاد أو كُتّاب معروفون، وتقوم بعدها باختيار مقتطفات منها، وطبعها على الغلاف الأخير، ونشر الكتاب. في أحايين أخرى، ولدى نشر طبعة ثانية من الكتاب نفسه، تقوم الدار بتجميع ما كتب حوله سابقاً، وأقتطاف ما تراه مناسباً لترويج بيع الكتاب.

في الفترة الأخيرة، قامت الدنيا في بريطانيا ولم تقعد، لأن إحدى دور النشر، قامت بنشر متقطفات مما نشر من عروض في صحف مختلفة، حول كتاب أصدرته في طبعة ثانية، لمحلل نفسي كندي الجنسية اسمه جوردون بيترسون. ونظراً لأن تلك القراءات حول الكتاب، لم تكن ايجابية بتاتاً، حتى أن أحد المقالات المنشورة نصح القرّاء بعدم شراء الكتاب، لجأت دار النشر تلك( وهي دار نشر معروفة) إلى التدخل في تلك المقتطفات، أو التعليقات، بشكل أدّى إلى تغييرها كلية، واضحت ايجابية في صالح الكتاب والمؤلف.

رابطة المؤلفين(Society of Authors-SoA) أحتجت بشدة على التحايل وأعتبرته تزييفاً، وعملا يفتقد المسؤولية الاخلاقية. ومؤكدة أن القرّاء والكُتّاب يستحقون معاملتهم أفضل من ذلك. وأن الكُتّابَ سوف يستنكفون مستقبلاً من كتابة آرائهم في صفحات عرض الكتب. وأصحاب تلك التعليقات من الكُتّاب، لجاؤا إلى مواقع التواصل الاجتماعي منددين بما فعلته الشركة الناشرة.
وبالطبع، قامت دار النشر، بتدارك الأمر، عبر اصدار بيان تعهدت فيه بوضع خريطة طريق للمسؤولين في الدار، تتعلق بضبط نشر المتقطفات والتعليقات على أغلفة الكتب، بشكل يمنع حدوث هذا الأمر مستقبلاً.

وواضح أن دار النشر في سبيل تحقيق رواج لمبيعات الكتاب المذكور، لم تجد بداً من اللجوء إلى ما أعتبرته رابطة المؤلفين عملا يفتقد المسؤولية الاخلاقية. وهو فعلياً كذلك. وكان أجدى بدار النشر الالتجاء إلى حيل أخرى. كأن تقوم مثلاً بنشر مقتطفات من الكتاب نفسه على الغلاف الأخير، تختارها بعناية لتأدية الغرض المطلوب، وهو تقليد معروف في عالم النشر.

شاهد أيضاً

حكايتان (2)

زكريا العنقودي   1-رحم المنامات !!   لم يعش سوى لحظات..لكن بكاه الجميع ، وحين …