منصة الصباح

الخدمات الصحية الاساسية المفقودة

منذ عام 1948 ومنظمة الصحة العالمية تنادي بتعريف للصحة انها حالة من الرفاه البدني والعقلي والاجتماعي الكامل وليس مجرد الخلو من المرض او العجز

وللأسف جميع الأنظمة الصحية تركز على الصحة البدنية وهناك قصور واضح في توفير الرعاية الصحية العقلية والنفسية في كل دول ألعالم ، وقد تكون معدومة أو مفقودة في معظم البلدان المتوسطة والمنخفضة الدخل ، ودولنا العربية لا تختلف كثيرا عنها بل أسواء ..
حيث تصل فجوة التغطية الصحية في رعاية الصحة النفسية والعقلية إلى أكثر من 90% من الحالات في معظم البلدان . وان توفرت تتركز التغطية على مستويات خدمات الرعاية التانوية ( بعض المستشفيات النفسية والعقلية التي لا تتوفر في معظمها بنى تحتية متكاملة حديثة ومتطورة ( تذكرنا بعضها بالبيمارستانات لقدمها ) ومعظمها تعاني من الوصمة للأسف وتعاني في مجملها من النقص الحاد في القوى العاملة الصحية المؤهلة والكافية ) ومقصور في مجملها على بعض المدن الكبرى أو بعض المصحات والعيادات الخاصة العصرية ..
مع النقص الحاد جدا في الأطباء والممارسين المتخصصين في الصحة العقلية والنفسية ..مما يتطلب اعادة النظر في توفير خدمات رعاية الصحة النفسية والعقلية بإمكانيات أفضل بكثير ..
ويبلغ متوسط الإنفاق الحكومي العالمي على الصحة العقلية كنسبة مئوية من الإنفاق الحكومي على الصحة ( 2.1% ) فقط وجزء صغير فقط منه يذهب الى القلة من الفئات الأكثر ضعفًا مثل الأطفال والمراهقين وكبار السن ومقدمي الرعاية ..
مع العلم تُقدر تكلفة حالات مثل الاكتئاب والقلق والاضطرابات النفسية الأخرى من الناحية الاقتصادية مبلغ يزيد عن 390 مليار دولار ..
ولا وجود للرعاية الأولية في الوقت الذي تنتشر وتتزايد الاضطرابات العقلية والنفسية المسؤولة عن معاناة كبيرة وهائلة للناس ، وكثير منها مرتبط أو مشترك ومتشابك بمشاكل صحية بدنية ..
ومشاكل الصحة العقلية تجعل الحياة لا تطاق للأشخاص الذين يعانون منها ولذويهم والمجتمع .
ومن المؤسف إنه يتم التقليل من شدة أعباء المرض النفسي على الصحة والإنتاجية في جميع أنحاء ألعالم ، في الوقت الذي تتواجد الاضطرابات النفسية والعقلية في كل دول ألعالم غنيها وفقيرها ، ونسائها ورجالها ، وجميع الفئات العمرية ، والريف والحضر ، وفي الأوساط المتعلمة والمثقفة والأمية والجاهلة . مع الوضع في الاعتبار أن الفقر والبطالة والصراعات والنزاعات والحروب ، وما يترتب عنها من هجرة ولجوء ونزوح ، وأوضاع الحياة المجهدة والظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة ، وعدم الاستقرار ، والغلاء تزيد جميعها من الاضطرابات النفسية والعقلية ، والتي بدورها تؤدي الى العديد من الأمراض الجسدية مع ارتباط العديد من الأمراض الجسدية ومنها النادرة والتي تعد بأكثر من 7000 مرض ، والأمراض المزمنة التي تهدد الحياة ، والأمراض الوبائية وما تشكله من مخاوف عامة والكوفيد 19 خير دليل ، وكل الأوبئة التي أصبحت تشكل تهديدات خطيرة على صحة وحياة الناس ..
وجسم الإنسان كما هو اعضاء ملموسة لها أنظمتها وأمراضها هو جسم عاطفي كذلك ..
والمفهوم الشامل للصحة النفسية والعقلية هو حالة من الرفاه يكون فيها الفرد قادرًا على إستخدام مهاراته الخاصة ، والتعافي من الإجهاد الروتيني والقدرة على الإنتاجية ، والمساهمة في بيئته .
والصحة العقلية هي الرفاه العاطفي والنفسي والاجتماعي الذي يؤثر على كيفية التفكير ، والشعور والتصرفات ، وتساعد على كيفية التعامل مع التوترات ، والتواصل مع الآخرين واتخاذ خيارات صحية أخرى ،

وصحة الفرد هي في سلامته العقلية.

. والصحة العقلية مهمة في كل المراحل العمرية
( فلا صحة بدون صحة عقلية ) .
ولذلك يتطلب تصحيح المفاهيم بأن الاضطرابات النفسية والعقلية هي مشاكل صحية صريحة ، ويمكن علاجها ، ولها أدويتها وبرتوكولاتها الوقائية والعلاجية والتأهيلية .
ولا توجد خدمات صحية كاملة دون الاهتمام باحتياجات الصحة النفسية والعقلية للسكان ، وضرورة العمل على بناء مفاهيم لكيفية دمج وتوسيع نطاق الوصول الى الرعاية الصحية العقلية والنفسية اللائقة في البنية التحتية الصحية الحالية في بلداننا لتحقيق التغطية الصحية الشاملة ، وتمكين الجميع دون إستثناء للوصول إلى أعلى معايير الصحة التي يمكن بلوغها دون المعاناة من ضائقة مالية ، او تنقل لمسافات بعيدة ترهق الناس .
ولا ينبغي أن تكون الصحة العقلية فقط جزء من التغطية الصحية الشاملة ، ولكن التغطية الصحية الشاملة لن تكون ناجحة دون دمج الصحة العقلية والنفسية .
والدمج هو وسيلة لتحسين الصحة العقلية للسكان وتخفف عبء الاضطرابات النفسية والمنتشرة في كل المجتمعات ، والتي تخلق أعباء ومصاعب إقتصادية وإجتماعية على المتضررين وأسرهم ..
الدمج يضمن الحصول على الرعاية الصحية العقلية والنفسية مبكرًا من بداية الاضطرابات مع ضمان رعاية مستمرة دون إنقطاع ،
ويدعم تقديم الرعاية الصحية البدنية بشكلٍ فعال والذي بدوره يساهم في تحسين الصحة العامة ..
ولأن الرعاية الصحية الأولية شاملة وغير مرتبطة بحالات محددة مما يقلل من الوصم لحالات الطب النفسي ..
والعديد من الاضطرابات العقلية والنفسية لكافة الفئات العمرية يمكن ان تقدم لها رعاية صحية من خلال منظومة الرعاية الصحية الاولية وبشكل أفضل من ما يقدم بمستشفيات الأمراض النفسية ، وبالإمكان تشخيص الاكتئاب الخفيف والمتوسط والشديد وعلاجه والكثير من الأمراض النفسية الأخرى في مراكز الرعاية الصحية الأولية .
وغالبية الأمراض مشتركة ومتشابكة بين العضوي والنفسي ،
ولتوفير ذلك ضرورة تعزيز السياسات والاستراتيجيات والخطط والقوانين والقرارات للصحة والصحة العقلية والنفسية ، وتطوير نظام الرعاية الصحية الأولية ، ودمج الصحة العقلية داخل هذا النظام الذي يجب أن يكون فعال مبني على نظم صحيحة ، وبنى تحتية متكاملة ، وكوادر مؤهلة ومدربة ، مع نظام إحالة جيد بين الرعاية الأولية ومرافق الصحة العقلية والنفسية ، ويتطلب أعادة هيكلة النظام الصحي ، وإعادة النظر في مناهج التعليم والتدريب الطبي والصحي ليغطي القوى العاملة الصحية المؤهلة المطلوبة للقيام بأعمالها من خلال منظومة الرعاية الصحية الأولية وسلسة الخدمات العلاجية بمستويات خدمات الرعاية الصحية العقلية والنفسية ..
بتوفير خدمات الرعاية الصحية العقلية والنفسية من خلال منظومة الرعاية الصحية الأولية وجعلها في متناول الجميع ، وموفرة خدمات رعاية صحية لدورة حياة كاملة ..
لضمان حياة كريمة تنعم بالرفاه وتتحقق التغطية الصحية الشاملة لكل الناس في كل الاماكن دون أعباء ويسعد الجميع ..

بتعزيز الصحة وتعميم واعتماد السياسات الصحية على كل القطاعات وتوسيع نطاق الرعاية الصحية الاولية ودمج الكثير من الخدمات الصحية المفقودة تقوى النظم الصحية وتستطيع ان تكون قادرة على الاستجابة والمرونة والتعامل مع الازمات والكوارث الصحية والانسانية مع الاستمرار في تقديم الرعاية الصحية بجودة عالية لكل المرضى وتكون النظم الصحية قادرة على مواكبة التطور العلمي والمعرفي والتقني والتكنولوجي والذي يتطلب مضاعفة القوى العاملة الصحية والدعم التمويلي المستمر والحوكمة والتعليم المتقدم والتدريب الراقي المستمر والإرادة والإدارة ..

.الصحة رسالة وحق
. لا صحة بدون صحة عقلية

د.علي المبروك أبوقرين
عضو المجلس التنفيذي لاتحاد المستشفيات العربية

شاهد أيضاً

انطلاق الدورة الـ 18 لبرنامج المحفظ المتقن

أعلنت الهيئة العامة للأوقاف عن انطلاق الدورة الثامنة عشر لبرنامج المحفظ المتقن، بمدينة زليتن. وأوضحت …