منصة الصباح

أقنعة من لحم

أقنعة من لحم

محمد الهادي الجزيري

بدأ السارد متنه القصصي بالقصة التي أهدت عنوانها للمجموعة، أيّ ( أقنعة من لحم ) وكأنّه أراد أن يباغت القارئ بغرابة القصة ..، فهي تتحدّث عن كهل متزوّج وأب أطفال وموظّف في بنك ..، ينهض ككلّ صباح ويقوم بالاستحمام وفجأة يرى وجهه في المرآة ..فماذا يرى : تحوّل وجهه إلى وجه كلب ..، ولكن العائلة لم تتفطّن لهذا التغيير الذي طرأ عليه ..بل العكس ..الجميع في الشارع والبنك حيث يعمل لم ينتبهوا إلى أنّه يحمل رأس فيه وجه كلب ..، وفي خاتمة القصة يعود وجهه الطبيعي فيفرح كثيرا ..ولكن زوجته تنتبه إلى تحوّل وجهه إلى وجه كلب ..، والمهمّ حسب قراءتي المتواضعة أنّ الإنسان منّا يرى نفسه على حقيقتها لا كما يراه الناس ..، على كلّ يقول السارد في بداية القصة :

” توقّف، وضع يديه على وجهه، يتحسّسه مبحلقا ومصعوقا وصارخا في صمت: وجهي.. وجهي، من أين أتي هذا الوجه؟ أين ذهب وجهي؟، عاود صراخه المكتوم : وجه كلب ..يا الله ..وجهي وجه كلب ..”

لحسين السنونة تجربة لا بأس بها في فنّ القصة ..، فقد أصدر إلى حدّ الآن مجموعة أولى بعنوان : ” ثرثرة خلف المحراب ” ثمّ أردفها ب ” أقنعة من لحم “، التي نحن بصدد قراءتها ، وآخر إصداراته :  “نساء قريتي لا يدخلن الجنّة “..، وسوف أعود إلى مخزونه الإبداعي مرّة أخرى نظرا لتوهجه في مجال السرب الإبداعي… تشجيعا له وتحفيزا على المضي قدما في درب الكتابة القصصية …

ثمّة قصة خاصة بالمتزوجين والذين قضوا فترة لا بأس بها في قفص الزواج ، فالسارد رجل يعاني من أزمة تأتيه مرّة في السنة ، تتمثّل في هروب النوم منه ..وبقاء ذلك الزوج الكئيب في أواخر الليل وحده يحاول الرجوع إلى السبات دون جدوى، فيسترجع حياته وكيف تعرّف على زوجته ..ويأسف لعدم تلبية كلّ طلباتها ..ويسرد وظائف كان يمكن أن يشتغل فيها وتوفر لها حياة كريمة ..، خلاصة القول ..حين يحسّ بأنّ النوم يراوده ويهرع إليه ..يفاجئه الجسد النائم للزوجة بالحقيقة …ألا وهي اقترانه الأبدي بجسد آخر وذات أخرى ..، وهي الحقيقة الدامغة …، يكتب حسين السنونة :

” بشكل لاإرادي أنزلت يدي واتجهت إلى الجهة الأخرى لكي أنام، وفجأة جسد دافئ يعانقني من الخلف، تذكّرت بيتا من قصيدة الشاعر الإحسائي أحمد الملا :

( أشتاق للعناق فأستيقظ ) ”

وذلك هو مصير المتزوجين ..حتّى حين يجفل النوم وتتوه بهم الأفكار والهواجس ..لا إمكانية للقطع مع الواقع ..لا فرار من قرينك الأبدي ..الذي سلمته أمرك ..وصرت تفكّر فيه وفي مصالحه حتّى حين يستولي عليك الأرق ….

افتتحت المجموعة بتقديم مطوّل قام به مشكورا الأديب والإعلامي الأردني أحمد فراس الطراونة ..، وبيّن خلاله عدّة نقاط في هذه المتن السردي لشاب سعودي ..في تجربة جديّة تعد بكلّ إبداع ..خاصة أنّ حسين السنونة لا يكتب كتابات تجلب النوم أو تنافق الواقع إنّما هو كالجرّاح الذي يعالج أوراما ..يحاول إزالتها بالأدب ..وبالقصة القصيرة ..ونعتقد أنّه أفلح في مسعاه ..، وأختتم المقال باقتطاع فقرة ممّا جاء في المقدّمة :

” في مجموعته الجديدة ( أقنعة من لحم ) والتي اختارني السنونة أن أقدّم لها، والتي أعدت قراءتها عدّة مرّات، وجدت أنّ السنونة الذي كثّف وأغنى حواراته قد تفوّق على نفسه في هذه المجموعة مقارنة مع من سبقها، حيث يظهر جليّا بين ثنايا النصوص التي اختارها لمجموعته أنّه يعرف تماما ماذا يريد، فثمّة حياة مكتملة في كلّ قصة، يظهر فيها السرد ليس مجرّد فكرة فقط أُلبست لباس القصّ عنوة، وإنّما حيوات متضمنة، تنطلق من السرد الذي يشكّلها وينفخ فيها بنات أفكاره بعيدا عن الركاكة “

شاهد أيضاً

أيام‭ ‬الصحافة‭ ‬ 

  فتحية الجديدي سؤال‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية‭ ‬وجب‭ ‬طرحه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬لأسباب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ …