الجميَل الـ«هوم»
_____
فتحية الجديدي
لا اعرف من المكان الا تلك البقعة التي كان يقطن بها عمي الاكبر –رحمه الله – كان حسن المظهر طويل القامة وسيم التقاطيع ، اذكره عندما يرتدي الجرد\ الابيض ويلفه على جسده النحيل ويطلب من والدي ان يسحب احد الخراف الصغيرة لذبحها لوليمة الغذاء احتفاء بنا ، ويردد جملته ( ماتقربش الفطايم ) مايقصد بها انثى الخراف لانها كانت هديته لي ويعتبرها ذمة على عنقه ولم افهم حينها مايعني ان يهديني كل هذه الاعداد منها وكنت العب والهو معهم وامسك ببعضها واصرخ عاليا ” خرفناتي . خرفناتي ” كان عمي يلفني حنانا واحتضاننا حتى انه طالب بتبنيه لي كونه عقيما الي ان عرفت بعد سنوات بأن التبني ممنوع وهو ماانجئ والدتي من التخلي عني لاني طفلتها الأولى ولاترى من العالم سواي بعد اربعة عشر فقط من عمرها ، توفي العم الاكبروالحسرة لازمت العائلة ولم يبقى من اثره الا اللحظات التي نتذكرها بين الحين والآخر وقسم الارث على الاخوة وحرمت من هديتي التي جرت الي السوق خوفا من الاهمال ووضع والدي –رحمه الله – ثمنها في حصالتي وهو يمسح دموعه في خفاء ويقول ” عمك كان يبي ياخذك ” لكنه ترك هذا لك .
لا زالت اتذكر من وطني ” بئر الحلو ” حين تقطن عمتي الكفيفة رحمها الله وابنائها الثلاث والابنة الوحيدة وهي تعد لنا وجبة الغذاء بسرعة استغربتها منها وهي على حالها وكنت اراقب كيف تتلمس الأشياء وتعرفها وتقص علينا قصص ارتباطها بأرضها وتعلقها بها وكفاحها من اجل اسرتها ، ام عمي الاوسط – رحمه الله – كان الفارس الذي تصورته على جواده البني حين اخذني معه يوما وينادي أبي” بنتك خذيتها ” وكان يقصد من وراء ذلك مقصدا اجتماعيا استوعبته بعد مراحل من عمري لكنني رفضت ذلك بسبب دراستي التي لم ارد التخلي عنها فكان ابا لأربعة ابنا وبنت واحد تكبر اخوتها واختفى عن عالمنا باكرا بعد أن الم به مرض لم يسعفه كثيرا للحياة ، اتذكر مزارع منطقتي “حمدى والعقربية “حين كنت ارافق والدي لقطف التفاح البلدي من الشجر والوح بيدي للعامل هناك باني تحصلت على ما يكفي وانا اضعها في طرف فستاني خوفا من سقوطها ، واتذكر زيارتنا في شهر الربيع حين يرحل عمي الاكبر من بيته الي خيامه واعشاشه للرعي وتجهيز المونة وانا ارقب مخض اللبن وصنع الجبن وهو يربط اطراف الحبل بين نخلتين مرجوحة لي التي انقطعت عن ذهني بعد ان فقدنا اوصالنا بوطني الجميَل المدينة التي يعود اصلي لها ، وظل ابي يقص علينا حكاية مولده بمنطقة العسة وغادر وترك تفاصيلها في أجسادنا .