بوضوح
بالقلم/ عبد الرزاق الداهش
الزنازين لا تفتح من الداخل، حقيقة لم تكن غائبة عن “هواري بومدين” ، ولكن مع ذلك نزلت دموع الرجل الذي لا يبكي إلا بدموع من فولاذ .
كان يسمع بعضا من أوجاع “بن بلة” في تلك الزنزانة التي يملك هو وحده مفاتيحها.
كان “بومدين” على فراش الموت قدم نحو القصر، وأخرى باتجاه القبر ، ولكن قبل أن يتكلم بالإفراج عن سجينه استطاع “بوتفليقة” أن يوفر عليه بعضا من الأنين وهو يقول : الأخطاء الكبيرة من سمة الرجال الكبار .
كانت جلسة تراجيدية فيها الكثير من الحزن والكثير من الانفعال، ربما كان “بوتفليقة” يريد استعادة “أبومدين” لذاته.
كانت السلطة أشبه ما تكون بكرسي متحرك، ولعله كان على رجل بوزن بوتفليقة أن يرحل منها ميتا أفضل من أن يجيء إليها وهو نصف حي.
لم يكسب الرجل تاريخه في لعبة الروليت السياسي، غير أنه فقد الكثير من هذا المدخر في لعبة السياسة.
قبل أن يدخل “بوتفليقة” الجامعة دخل أكاديمية جيش التحرير الوطني.
قاتل مع أخيه في حليب الجزائر والثورة ،”هواري بومدين”، وشارك معه في مفاوضات الانسحاب الفرنسي.
عاش الرجل مع “بن بلة” بكل ما في ذلك الفاصل الزمني من مستحضرات الولع الثوري، وبكل ما فيه من جراح لم بعد الاستقلال .
تحول “بن بلة” من شقته الصغيرة التي تعكس التواضع الثوري إلى شقائه الطويل في زنزانته الانفرادية.
مات “بومدين” وهو على مخدة مملوءة بالأحلام المؤجلة، وترك وصية واحدة بأن تظل الجزائر قوية.
ألقى “بوتفليقة” كلمة وداع في إنسان كان له أكثر من صديق، وأكثر من رئيس دون أن يدري بأنه يودع نفسه.
فضل “بوتفليقة” لهيب المنفى الخارجي حتى لا يحترق في جحيم المنفى الداخلي الأصعب.
صار أسم “ابومدين” على مطار الجزائر الدولي. أما خارج المطار فكانت معركة محو أثار “البومدينية”.
كانت مؤسسة الجيش التي فضلت “بن جديد” الضعيف لا تستطيع أن ترفض “بوتفليقة” الوحيد، لتحرير الجزائر من حالة اختطاف داخلي.
لم يكن “بوتفليقة” من تلك الفصيلة من الثوار الذين لا يتمنون النوم على فراشهم، ولكنه ربما تمنى الموت على الكرسي الرئاسي، حتى ولو كان من النوع المخصص لذوي الاحتياجات الخاصة.
كانت أمام الرئيس الجديد أكثر الدوسيهات وعورة، وكانت المهمة هي استعادة الجزائر الحلم من الجزائر الألم .
كان “بوتفليقة” بين رجلين، الأول “بومدين” المحارب والثاني مانديلا المسالم، المهم كان أكثر من رئيس للجزائر، حاول أن يضبط ساعته، على توقيت طموحاته الشاهقة.
اختار”بوتفليقة” الاحتفظ بانقلابه المؤجل، فأفضل الانقلابات تلك التي يقودها الإنسان على نفسه، ولكن الوقت ارتكب ضد واقعة سرقة بالاكراه.
كانت الجزائر تعني فوائض مالية هائلة، وقابلية لحزمة إصلاحات سياسية واقتصادية كبيرة، وهذا يشكل غواية لرجل مثل “بوتفليقة، وفرصة من الصعب أن يتنازل عليها للمجهول .
إلا أنه في الوقت الذي يحاول فيه ترميم الأشياء فقد كل شيء، عندما خذلت عقارب الساعة وعقارب أخرى..
هكذا هي السلطة ضاقت برفيقين مثل “بن بلة” و”بومدين” ولكن مقبرة “عاليا” في مدينة الجزائر تتسع للجميع.
وحتى لو مات بوتفليقة بعد موته، ستظل حقوق الملكية الوجدانية مسجلة بإسم مانديلا الجزائر.