منصة الصباح

حكاية يناير

زايد‭..‬ناقص

بقلم /جمعة‭ ‬بوكليب

شهر‭ ‬يناير‭ ‬أول‭ ‬شهور‭ ‬السنة‭ ‬الشمسية،‭ ‬وأكثرها‭ ‬برودة‭. ‬الاسم‭ ‬روماني،‭ ‬مشتق‭ ‬من‭ ‬الإله‭ ‬جانوس،‭ ‬حارس‭ ‬المداخل‭ ‬والجسور‭. ‬الإله‭ ‬جانوس‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬وجهان‭ ‬ينظران‭ ‬في‭ ‬اتجاهين‭ ‬متعاكسين‭. ‬وجه‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬السنة‭ ‬المنقضية،‭ ‬وآخر‭ ‬نحو‭ ‬السنة‭ ‬الجديدة‭. ‬أي‭ ‬أننا‭ ‬ندخل‭ ‬السنة‭ ‬الجديدة،‭ ‬بقلوب‭ ‬تؤمل‭ ‬خيراً،‭ ‬وملتفتين،‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت،‭ ‬لتلك‭ ‬التي‭ ‬أنتهت،‭ ‬وابتلعها‭ ‬الزمن،‭ ‬وما‭ ‬حدث‭ ‬لنا‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬حوادث‭ ‬مسرة‭ ‬أو‭ ‬عكسها‭. ‬وأعتقد‭ ‬أنني‭ ‬لست‭ ‬مخطئاً‭ ‬لو‭ ‬قلت‭ ‬إن‭ ‬العديدين‭ ‬منا‭ ‬يتمنون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عقولهم‭ ‬وذاكراتهم‭ ‬مثل‭ ‬أجهزة‭ ‬حاسوب‭ ‬ليكون‭ ‬بامكانهم،‭  ‬بضغطة‭ ‬زر‭ ‬واحدة،‭ ‬محو‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الهفوات‭ ‬والأخطاء‭ ‬المحرجة‭ ‬التي‭ ‬إما‭ ‬ارتكبوها‭ ‬أو‭ ‬قالوها‭ ‬،‭ ‬وظلوا‭ ‬يتحسرون‭ ‬ندماً‭ ‬عليها‭. ‬
في‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬الانجلو‭- ‬سكسونية‭ ‬يسمون‭ ‬يناير‭ ‬شهر‭ ‬الذئب،‭ ‬لأن‭ ‬الحيوانات‭ ‬المفترسة‭ ‬في‭ ‬البرية‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬تدفعها‭  ‬شدة‭ ‬البرد‭ ‬والجوع‭ ‬إلى‭ ‬الاعتداء‭ ‬على‭ ‬البشر‭. ‬وفي‭ ‬الثقافة‭ ‬الاسكتلندية‭ ‬الشعبية‭ ‬هناك‭ ‬تقليد‭ ‬قديم‭ ‬مازال‭ ‬ساري‭ ‬المفعول،‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المناطق،‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يطرق‭ ‬باب‭ ‬بيتك،‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬ليلة‭ ‬رأس‭ ‬السنة،‭ ‬رجل‭ ‬لكي‭ ‬يقدم‭  ‬لساكني‭ ‬البيت‭ ‬حزمة‭ ‬من‭ ‬خشب‭ ‬تدفئة‭ ‬وطعاما‭. ‬
ولأننا‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬المقيمين‭ ‬في‭ ‬نصف‭ ‬الكرة‭ ‬الشمالي،‭ ‬فهذا‭ ‬يعني،‭ ‬ضمن‭ ‬أشياء‭ ‬أخرى،‭ ‬أن‭ ‬النهارات‭ ‬القصيرة‭  ‬ولّت‭ ‬الادبار،‭ ‬وأننا،‭ ‬لو‭ ‬حبا‭ ‬الله‭ ‬أخوتنا‭ ‬المتقاتلين‭ ‬بهدايته،‭ ‬وأمد‭ ‬في‭ ‬أعمارنا،‭ ‬سوف‭ ‬نستمتع‭ ‬بساعات‭ ‬أطول‭ ‬من‭ ‬ضوء‭ ‬النهار‭. ‬ويبقى‭ ‬علينا‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الكثير‭ ‬مما‭ ‬سيخصنا‭ ‬به‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬من‭ ‬السنة‭ ‬من‭ ‬برد‭ ‬وغيوم‭ ‬رمادية‭. ‬فأستعدوا‭ ‬له‭ ‬بما‭ ‬يلزم‭.‬
العادة،‭ ‬أيضاً،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬البر‭ ‬الانجليزي‭ ‬أن‭ ‬ترفع‭ ‬الزينة‭ ‬عن‭ ‬أشجار‭ ‬عيد‭ ‬الميلاد‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬السادس‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬يناير‭.  ‬
في‭ ‬اليوم‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬يناير‭ ‬يحيي‭ ‬العالم‭ ‬ذكرى‭ ‬عبور‭ ‬بحر‭ ‬المانش‭ ‬الفاصل‭ ‬بين‭ ‬بريطانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬جوّياً،‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭. ‬ففي‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭  ‬الشهر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1785‭ ‬قام‭ ‬شخصان‭ ‬احدهما‭ ‬فرنسي‭ ‬يدعى‭ ‬جان‭ ‬بيير‭ ‬بلانكارد،‭ ‬وآخر‭ ‬أمريكي‭ ‬اسمه‭ ‬جون‭ ‬جيفريس،‭ ‬بركوب‭ ‬منطاد‭ ‬وعبور‭ ‬بحر‭ ‬المانش‭.‬
في‭ ‬شهر‭ ‬يناير‭ ‬عام‭ ‬1799‭ ‬تم‭ ‬تطبيق‭ ‬قانون‭ ‬دفع‭ ‬ضريبة‭ ‬الدخل‭ ‬في‭ ‬بريطانيا،‭ ‬لأول‭ ‬مرة،‭ ‬وذلك‭  ‬لمواجهة‭ ‬الأعباء‭ ‬المالية‭ ‬للحروب‭ ‬النابليونية‭.‬
وفي‭ ‬يوم‭ ‬12‭ ‬يناير‭ ‬بأمريكا‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1915‭ ‬عرض‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬لمنح‭ ‬النساء‭ ‬حق‭ ‬التصويت‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭.‬
في‭ ‬شهر‭ ‬يناير‭ ‬عام‭ ‬1964‭ ‬انتفض‭ ‬الطلاب‭ ‬الليبيون‭ ‬ضد‭ ‬العهد‭ ‬الملكي،‭ ‬وقتل‭ ‬عدد‭ ‬منهم‭ ‬برصاص‭ ‬الشرطة‭. ‬وفي‭ ‬يناير‭ ‬عام‭ ‬1976‭ ‬أنتفضوا‭ ‬ضد‭ ‬حكم‭ ‬الاستبداد‭ ‬العسكري،‭ ‬وبعدها‭ ‬بأشهر‭ ‬قليلة،‭ ‬وتحديداً‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬أبريل‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬العام،‭ ‬وجه‭ ‬النظام‭ ‬ضربة‭ ‬قاصمة‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الحركة،‭ ‬وأودع‭ ‬قادتها‭ ‬السجون‭.‬
في‭ ‬شهر‭ ‬يناير‭ ‬1977‭ ‬انتفضت‭ ‬مصر‭ ‬الشعب‭ ‬ضد‭ ‬حكم‭ ‬أنور‭ ‬السادات،‭ ‬وكادت‭ ‬تلك‭ ‬الانتفاضة‭ ‬تطيح‭ ‬بالنظام،‭ ‬لولا‭ ‬سوء‭ ‬الحظ‭. ‬
في‭ ‬شهر‭ ‬يناير‭ ‬2020،‭ ‬تكون‭ ‬طرابلس،‭ ‬عاصمة‭ ‬دولة‭ ‬ليبيا،‭ ‬قد‭ ‬دخلت،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تردد،‭ ‬الشهر‭ ‬التاسع‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬لاناقة‭ ‬لها‭ ‬فيها‭ ‬ولاجمل‭ ‬كما‭ ‬يقولون،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تبدو،‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬الجهات،‭  ‬بارقة‭ ‬أمل،‭ ‬في‭ ‬وصولها‭ ‬إلى‭ ‬نهاية،‭ ‬ووقف‭ ‬نزيف‭ ‬الدم‭ ‬والدمار،‭ ‬بل‭ ‬العكس‭ ‬تماماً‭. ‬ومن‭ ‬المتوقع،‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬أسماعنا‭ ‬من‭ ‬أخبار،‭ ‬أن‭ ‬تتسع‭ ‬رقعة‭ ‬الحرب،‭ ‬لتشمل‭ ‬مناطق‭ ‬ومدن‭ ‬أخرى،‭ ‬ومن‭ ‬المحتمل‭ ‬جداً،‭ ‬ان‭ ‬استمر‭ ‬الحال‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عليه،‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬تدويل‭ ‬القضية‭ ‬الليبية،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬ونصير‭ ‬كالأيتام‭ ‬على‭ ‬مآدب‭ ‬اللئام‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الطامعة‭ ‬فينا‭ ‬شرقا‭ ‬وغربا‭ ‬وشمالا‭ ‬وجنوباً‭. ‬ندعو‭ ‬الله‭  ‬القديرأن‭ ‬يقينا‭ ‬شر‭ ‬ذلك‭ ‬المصير،‭ ‬وأن‭ ‬يلطف‭ ‬بنا،‭ ‬ويبدل‭ ‬أحوالنا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬خير‭ ‬البلاد‭ ‬والعباد‭.‬

 

شاهد أيضاً

التومي على مذكرة تعاون مع وزارة اللامركزية الجيبوتي

الصباح وقع وزير الحكم المحلي بدر الدين التومي ، و وزير اللامركزية الجيبوتي قاسم هارون …