منصة الصباح

عن‭ ‬الجامعة‭ ‬والنخبة‭ (‬1‭ /‬2‭ )‬

بقلم/ ياسين العنقودي

الحديث‭ ‬عن‭ ‬النخبة‭ ‬اليوم‭ ‬يستدعي‭ ‬بالضرورة‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الفئة‭ ‬أو‭ ‬الطبقة‭ ‬المتعلمة‭ ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬لكل‭ ‬مجموعة‭ ‬اجتماعية‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬غرامشي‭ ‬جماعة‭ ‬المثقفين‭ ‬الخاصة‭ ‬بها،‭ ‬فأنا‭ ‬اقصد‭ ‬نخبة‭ ‬الطبقة‭ ‬المتعلمة‭ ‬التي‭ ‬يحتويها‭ ‬فضاء‭ ‬الجامعة‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬المصب‭ ‬الأخير‭ ‬الذي‭ ‬يحتوي‭ ‬كافة‭ ‬تناقضات‭ ‬الحاضنة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للأفراد‭ ‬والجماعات‭ ‬واقصد‭ ‬بها‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬وهذه‭ ‬الروافد‭ ‬تشكلها‭ ‬النخب‭ ‬الأخرى‭ ‬لرجال‭ ‬الإعلام‭ ‬والصحافة‭ ‬والنقابات‭ ‬والقانون‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬إطار‭ ‬الجامعة‭ ‬ولا‭ ‬أريد‭ ‬الإطالة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬فهو‭ ‬أمر‭ ‬معروف‭ ‬ولا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلي‭ ‬زيادة‭ ‬إيضاح،
ولكن‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬جامعة‭ ‬نتحدث‭ ‬اليوم‭ ‬؟‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬الجامعة‭ ‬المتوقفة‭ ‬علي‭ ‬لحظة‭  ‬زمنية‭ ‬ماضوية‭ ‬تجترها‭ ‬وتعيد‭ ‬إنتاجها‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬الجامعة‭ ‬التي‭ ‬تستشرف‭ ‬مستقبلها‭  ‬بنخبها‭ ‬القديمة‭ ‬المتجذرة‭ ‬ونخبها‭ ‬الجديدة‭ ‬المتوافدة‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬حدب‭ ‬؟‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬نخوض‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬توجد‭ ‬أسئلة‭ ‬أخرى‭ ‬أود‭ ‬طرحها‭ ‬قبل‭ ‬البدء‭ : ‬ما‭ ‬هو‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬تمارسه‭ ‬هذه‭ ‬النخبة‭ ‬بخلاف‭ ‬عملية‭ ‬التلقين‭ ‬التي‭ ‬تكرر‭ ‬ذاتها‭ ‬؟
هل‭ ‬تمثل‭ ‬هذه‭ ‬النخبة‭ ‬اليوم‭ ‬مصلحتها‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬تضع‭ ‬نفسها‭ ‬كطرف‭ ‬نزاع‭ ‬فوق‭ ‬العادة‭  ‬يمثل‭ ‬مصلحة‭ ‬مجموعة‭ ‬الغلبة‭ ‬والهيمنة‭ ‬وأقصد‭ ‬بها‭ ‬المجموعة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬؟‭ ‬هل‭ ‬الواقع‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يشكل‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬يتولى‭ ‬قراءته‭ ‬وتحليله‭ ‬ونقده‭ ‬وبالتالي‭ ‬إعادة‭ ‬صياغته‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬؟
‭ ‬أيضا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أتساءل‭ ‬عن‭ ‬الآليات‭ ‬البحثية‭ ‬لهذه‭ ‬النخبة‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬آليات‭ ‬جامدة‭  ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬آليات‭ ‬متجددة‭ ‬تطور‭ ‬ذاتها‭ ‬؟
كما‭ ‬أرغب‭ ‬أن‭ ‬أتساءل‭ ‬عن‭ ‬ماهية‭ ‬ومسميات‭ ‬مخرجات‭ ‬الجامعة‭ ‬هل‭ ‬هم‭ ‬معلمين‭ ‬أم‭ ‬متعلمين‭ ‬أم‭ ‬خريجين‭ ‬أم‭ ‬أكاديميين‭ ‬أم‭ ‬باحثين‭ ‬أم‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬؟‭ ‬
أود‭ ‬أيضا‭ ‬إيضاح‭ ‬أمر‭ ‬ما‭ ‬،‭ ‬أنا‭ ‬أتحدث‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬عن‭ ‬أصحاب‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية‭  ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬لا‭ ‬أستثني‭ ‬بعض‭ ‬أساتذة‭ ‬العلوم‭ ‬التطبيقية‭ ‬ولا‭ ‬أحرمهم‭ ‬المشاركة‭ ‬الفكرية‭ ‬،‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬بوصفها‭ ‬المحرك‭ ‬الفكري‭ ‬الفلسفي‭ ‬داخل‭ ‬الجامعة‭ ‬،‭ ‬فلا‭ ‬أحد‭ ‬يجهل‭ ‬أن‭ ‬العلوم‭ ‬التطبيقية‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬الفكر‭ ‬الفلسفي‭ ‬والتساؤل‭ ‬العقلي‭  ‬واستدعاء‭ ‬العلم‭ ‬،‭ ‬وأتساءل‭ ‬أين‭ ‬يتموقع‭ ‬الفكر‭ ‬اليوم‭ ‬عند‭ ‬هؤلاء‭ ‬وماهي‭ ‬وظيفته‭ ‬؟‭ ‬
تساؤلات‭ ‬وتساؤلات‭ ‬كثيرة‭ ‬تكاد‭ ‬لا‭ ‬تحصى‭ ‬،‭ ‬فهل‭ ‬يمكن‭ ‬اليوم‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬صراع‭ ‬فكري‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬يمثل‭ ‬الفكر‭ ‬النخبوي‭ ‬القديم‭  ‬وبين‭ ‬من‭ ‬يتمثل‭ ‬الحداثة‭ ‬والفكر‭ ‬والمفاهيم‭ ‬الغربية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬يمزج‭ ‬القديم‭ ‬بالحديث‭ ‬؟‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬اليوم‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬توجيه‭ ‬الواقع‭ ‬الثقافي‭ ‬المحلي‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬الواقع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والارتقاء‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬النخبة‭ ‬؟‭  ‬ومحليا‭ ‬أيضا‭ ‬أين‭ ‬هي‭ ‬هذه‭ ‬النخبة‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬الصراع‭ ‬من‭ ‬ساحة‭ ‬الاقتتال‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬الصراع‭ ‬الفكري‭ ‬؟‭ ‬
ماهي‭ ‬إجابات‭ ‬النخبة‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬الثقافة‭  ‬والثقافة‭ ‬الممكنة‭ ‬وتحولات‭ ‬الثقافة‭ ‬والمرجعيات‭ ‬والأفكار‭ ‬المسبقة‭ ‬أو‭ ‬الأفكار‭ ‬القبلية‭  ‬ودورها‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬الممكن‭ ‬الثقافي‭ ‬؟
‭ ‬وهل‭ ‬يمكن‭ ‬اليوم‭ ‬طرح‭ ‬أفكار‭ ‬قبلية‭ ‬جديدة‭ ‬لكسر‭ ‬تلك‭ ‬البديهيات‭ ‬القبلية‭ ‬الأولية‭  ‬الثاوية‭ ‬وراء‭ ‬الفكر؟‭ ‬مثلا‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬إنهاء‭ ‬القطيعة‭ ‬بين‭ ‬النخبة‭ ‬المتعالية‭ ‬و‭ ‬الشعب‭ ‬واعتبار‭ ‬إعادة‭ ‬التواصل‭ ‬معه‭ ‬فكرة‭ ‬سياسية‭ ‬أولية‭ ‬قبلية‭ ‬كشرط‭ ‬لقيام‭ ‬ثقافة‭ ‬جديدة‭ ‬؟‭ ‬ماهي‭ ‬إجاباتهم‭ ‬اليوم‭ ‬حول‭ ‬تفكك‭ ‬وانهيار‭ ‬الجماعة‭ ‬المحلية‭  ‬ومن‭ ‬أين‭ ‬يمكن‭ ‬اليوم‭ ‬اقتناء‭ ‬موجهات‭ ‬السلوك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬؟‭ ‬
ولأنني‭ ‬أمارس‭ ‬سلطة‭ ‬السؤال‭ ‬المشروع‭ ‬فلأنها‭ ‬السلطة‭ ‬الممكنة‭ ‬والمتاحة‭ ‬اليوم‭ ‬أوجهها‭ ‬لهذه‭ ‬النخبة‭ ‬المتعالية‭ ‬التي‭ ‬ترفض‭ ‬الجلوس‭ ‬إلى‭ ‬كراسي‭ ‬الطبقة‭ ‬الأدنى‭ ‬علميا‭   ( ‬ولا‭ ‬أعمم‭ ) ‬والتنازل‭ ‬عن‭ ‬نرجسيتها‭ ‬المرضية‭ ‬
وبمناسبة‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الأفكار‭ ‬الأولية‭  ‬والمسبقة‭ ‬أود‭ ‬الاسترسال‭ ‬في‭ ‬طرح‭ ‬الأسئلة‭ ‬فأتساءل‭ ‬اليوم‭ ‬ماهي‭ ‬مسبقات‭ ‬وجود‭ ‬الجامعة‭ ‬؟‭  ‬أي‭ ‬بمعنى‭ ‬ماهي‭ ‬الفكرة‭ ‬الأولية‭ ‬لوجود‭ ‬الجامعة‭ ‬؟‭ ‬
وهو‭ ‬سؤال‭ ‬لا‭ ‬يُطرح‭  ‬باعتبار‭ ‬انه‭ ‬من‭ ‬البديهيات‭ ‬وإجابته‭ ‬أسهل‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬ولكني‭ ‬متأكد‭ ‬أن‭ ‬الإجابة‭ ‬مختلفة‭ ‬وهي‭ ‬تؤسس‭ ‬لبديهية‭ ‬أخرى‭ ‬بسيطة‭ ‬ثاوية‭ ‬وراء‭ ‬الفكر‭ ‬ففي‭ ‬نصه‭ ‬حول‭ ‬الجامعة‭ ‬يجيب‭ ‬جاك‭ ‬دريدا‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭  ‬وكمسبقة‭ ‬لوجود‭ ‬الجامعة‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يطرحها‭ ‬بصفتها‭ ‬تلك‭) ‬يقول‭ : ‬يتعين‭ ‬على‭ ‬الجامعة‭ ‬الحديثة‭ ‬أن‭ ‬توجد‭ ‬بدون‭ ‬شرط‭ ..‬
و‭ ‬هذه‭ ‬الجامعة‭  ‬يجب‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تتعرف‭ ‬على‭ ‬ذاتها‭ ‬داخل‭ ‬حرية‭ ‬غير‭ ‬مشروطة‭ ‬للمساءلة‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الحرية‭ ‬الاكاديمية‭ ‬وأن‭ ‬تعبر‭ ‬علانية‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتطلبه‭ ‬البحث‭ ‬كما‭ ‬يتحدث‭ ‬دريدا‭ ‬عن‭ ‬الجامعة‭ ‬كفضاء‭ ‬أخير‭ ‬للمقاومة‭ ‬النقدية‭ ‬فيقول‭  ‬يتعين‭ ‬على‭ ‬الجامعة‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬ايضا‭ ‬فضاء‭ ‬لا‭ ‬يستثنى‭ ‬فيه‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬داخل‭ ‬المساءلة‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الصورة‭ ‬الحالية‭ ‬المحددة‭ ‬للديمقراطية‭ ‬وحتى‭ ‬الفكرة‭ ‬التقليدية‭ ‬للنقد‭.‬

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …