منصة الصباح

«‬البرهان‮»‬‭…‬خطوة‭ ‬لقاء‭ ‬نتنياهو‭ ‬بلا‭ ‬برهان‭ (‬1/2‭ )‬

بفلم/سليم‭ ‬يونس

في‭ ‬إطار‭ ‬سياسية‭ ‬التعمية‭ ‬وتغييب‭ ‬الوعي‭, ‬اتكأ‭ ‬البرهان‭ ‬على‭ ‬الدين‭ ‬كمسوغ‭ ‬سياسي‭ ‬للقيام‭ ‬بأعمال‭ ‬يدرك‭ ‬أنها‭ ‬تمس‭ ‬وجدان‭ ‬وثوابت‭ ‬الناس‭.‬
فقال‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬السيادة‭ ‬في‭ ‬السودان‭, ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬البرهان‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬استخرت‭ ‬الله‭ ‬قبل‭ ‬السفر‭ ‬بفترة‭, ‬أدعو‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬صلاة‭: (‬اللهم‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬خير‭ ‬يسره‭ ‬لنا‭, ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬فيه‭ ‬خير‭ ‬اصرفه‭ ‬عنا‭)‬‮»‬‭.‬
المدخل‭ ‬الخطأ
والبرهان‭ ‬وهو‭ ‬يوظف‭ ‬الدين‭ ‬لتبرير‭ ‬مقابلة‭ ‬المجرمين‭ ‬العنصريين‭ ‬الصهاينة‭ ‬ومن‭ ‬ينتهكون‭ ‬حرمات‭ ‬المسجد‭ ‬الأقصى‭ ‬ويحتلون‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬بارك‭ ‬الله‭ ‬حولها‭, ‬إنما‭ ‬يستخف‭ ‬بعقول‭ ‬الناس‭, ‬لأنه‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬مبرر‭ ‬ديني‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬يسوغ‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يقابل‭ ‬من‭ ‬يمارس‭ ‬القتل‭ ‬اليومي‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإنها‭ ‬مدخل‭ ‬البرهان‭ ‬الخطأ‭. ‬
فصلاة‭ ‬استخارة‭ ‬البرهان‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬التضليل‭ ‬الذي‭ ‬يتزيا‭ ‬بزي‭ ‬الدين‭, ‬لتبرير‭ ‬طعن‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬الظهر‭, ‬والتوقيع‭ ‬بالموافقة‭ ‬على‭ ‬صفقة‭ ‬قرن‭ ‬ترامب‭ ‬وصهرة‭ ‬اليهودي‭ ‬الصهيوني‭, ‬صفقة‭ ‬تصفية‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭, ‬التي‭ ‬هي‭ ‬حسب‭ ‬107‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬الكونجرس‭ ‬ومحللين‭ ‬يهود‭ ‬تستهدف‭ ‬فرض‭ ‬الاستسلام‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬دون‭ ‬قيد‭ ‬أو‭ ‬شرط‭.‬

محطة‭ ‬تحول

لكن‭ ‬السؤال‭: ‬هل‭ ‬خطوة‭ ‬البرهان‭ ‬جاءت‭ ‬كنتيجة‭ ‬وحدث‭ ‬دون‭ ‬مقدمات‭ ‬أسست‭ ‬له‭?‬
أم‭ ‬أنها‭ ‬أتت‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬مسار‭ ‬تراكمت‭ ‬وقائعه‭ ‬عبر‭ ‬السنوات‭ ‬بدأ‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬السودان‭ ‬الحديث‭ ‬حتى‭ ‬لحظة‭ ‬التحول‭, ‬التي‭ ‬أقدم‭ ‬عليها‭ ‬المسؤول‭ ‬السوداني‭ ‬الأول‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬البرهان‭.‬
ولأنه‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬واقعة‭ ‬أو‭ ‬حدث‭ ‬يتم‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬مقدماته‭, ‬فإن‭ ‬لقاء‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬السيادة‭ ‬السوداني‭ ‬العلني‭ ‬مع‭ ‬نتنياهو‭ ‬ليست‭ ‬استثناء‭ ‬من‭ ‬ذلك‭, ‬كون‭ ‬الوقائع‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬خطوة‭ ‬التحول‭ ‬الفعلي‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬السودان‭ ‬نحو‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬اتخذها‭ ‬رئيس‭ ‬السودان‭ ‬السابق‭ ‬عمر‭ ‬حسن‭ ‬البشير‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2014, ‬عندما‭ ‬طرد‭ ‬المُلحق‭ ‬الإيرانيّ‭ ‬من‭ ‬الخرطوم‭, ‬وهي‭ ‬الرسالة‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬السودان‭ ‬كبادرة‭ ‬حسن‭ ‬نيه‭ ‬موجهة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وكيان‭ ‬الاحتلال‭ ‬ودولاٍ‭ ‬عربية‭ .‬
وفي‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬المناخ‭ ‬فُتح‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬النقاش‭ ‬والجدل‭ ‬بين‭ ‬النخب‭ ‬السياسية‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬حول‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬كيان‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭, ‬على‭ ‬أساس‭ ‬‮«‬وهم‮»‬‭ ‬أن‭ ‬حل‭ ‬مشاكل‭ ‬السودان‭ ‬المختلفة‭ ‬أساسها‭ ‬وضع‭ ‬السودان‭ ‬على‭ ‬قوائم‭ ‬الإرهاب‭ ‬الأمريكية‭, ‬وأن‭ ‬كسب‭ ‬رضا‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬يمر‭ ‬إجباريا‭ ‬بتل‭ ‬أبيب‭.‬
وفي‭ ‬إطار‭ ‬هذه‭ ‬السيرورة‭ ‬جاء‭ ‬تصريح‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬السوداني‭ ‬الأسبق‭ ‬إبراهيم‭ ‬الغندور‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2016, ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬تطبيع‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬ممكن‭ ‬بشرط‭ ‬رفع‭ ‬الحكومة‭ ‬الأمريكية‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭.‬
هذا‭ ‬التوجه‭ ‬زكاه‭ ‬في‭ ‬حينه‭ ‬القيادي‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬‮«‬المؤتمر‭ ‬الوطني‮»‬‭, ‬الحاكم‭ ‬في‭ ‬السودان‭, ‬مصطفى‭ ‬عثمان‭ ‬إسماعيل‭, ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬‮«‬حديث‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬السوداني‭, ‬بشأن‭ ‬دراسة‭ ‬التطبيع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭, ‬يصب‭ ‬في‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة‮»‬‭.‬
ولأن‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬وكذلك‭ ‬بعض‭ ‬النخب‭ ‬السياسية‭ ‬اعتبرت‭ ‬أن‭  ‬معاناة‭ ‬السودان‭ ‬الاقتصادية‭ ‬مردها‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الأمريكية‭ ‬وليس‭ ‬سياسات‭ ‬الحكومات‭ ‬السودانية‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭, ‬وفرة‭,  ‬لما‭ ‬يحتويه‭ ‬من‭ ‬خيرات‭ ‬لا‭ ‬تتوفر‭ ‬في‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الدول‭.‬
ولهذا‭ ‬بدأت‭ ‬الأنظمة‭ ‬السودانية‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬الحل‭ ‬السهل‭, ‬عبر‭ ‬طرق‭ ‬أبواب‭ ‬كيان‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭, ‬كي‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا‭ .‬
وضمن‭ ‬هذه‭ ‬السياسية‭ ‬والترويج‭ ‬الثقافي‭ ‬الذي‭ ‬يرد‭ ‬مشاكل‭ ‬السودان‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬إلى‭ ‬العامل‭ ‬الخارجي‭, ‬وربط‭ ‬فشلها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المجالات‭   ‬بالقضية‭ ‬الفلسطينية‭.‬
بدأت‭ ‬تظهر‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬دعوات‭ ‬للتطبيع‭ ‬مع‭ ‬كيان‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني‭, ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬‮«‬لجنة‭ ‬العلاقات‭ ‬الخارجية‮»‬‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬‮«‬الحوار‮»‬‭ ‬السوداني‭, ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2015, ‬دعت‭ ‬إلى‭ ‬تطبيع‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭, ‬باعتبارها‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬‮«‬أمر‭ ‬ممكن‮»‬‭. ‬
وجاءت‭ ‬الدعوة‭, ‬خلال‭ ‬اجتماع‭ ‬عقدته‭ ‬اللجنة‭ ‬لمناقشة‭ ‬ملف‭ ‬التطبيع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭, ‬وذلك‭ ‬ضمن‭ ‬مؤتمر‭ ‬الحوار‭ ‬السوداني‭, ‬الذي‭ ‬أقامته‭ ‬حكومة‭ ‬البشير‭.‬

السودان‭ ‬سبق‭ ‬غيره

ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬صحيفة‭ ‬الطريق‮»‬‭ ‬السودانية‭ ‬تكشف‭, ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تاريخًا‭ ‬من‭ ‬النيات‭ ‬المبيتة‭ ‬للتطبيع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬صدرت‭ ‬عن‭ ‬مسؤولين‭ ‬في‭ ‬الحزب‭ ‬الحاكم‭ ‬وفي‭ ‬الحكومة‭ ‬أيضًا‭, ‬وذلك‭ ‬عندما‭ ‬كشف‭ ‬كرم‭ ‬الله‭ ‬عباس‭ ‬الشيخ‭, ‬والي‭ ‬ولاية‭ ‬القضارف‭ ‬الأسبق‭, ‬عن‭ ‬انتمائه‭ ‬لمدرسة‭ ‬داخل‭ ‬المؤتمر‭ ‬الوطني‭ (‬الحزب‭ ‬الحاكم‭), ‬تطالب‭ ‬بالتطبيع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭, ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬مصطلح‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬السودان‭, ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬أيضا‭ ‬الذريعة‭ ‬وراء‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬علاقة‭ ‬مع‭ ‬كيان‭ ‬الاحتلال‭, ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬قبل‭ ‬وضع‭ ‬السودان‭ ‬على‭ ‬لوائح‭ ‬الإرهاب‭ ‬الأمريكية‭ ‬بسنوات‭ ‬طويلة‭. ‬
فقد‭ ‬نشر‭ ‬موقع‭ ‬رصيف‭ ‬في‭ ‬30‭ ‬نوفمبر‭ ‬2018‭ ‬أن‭ ‬السودان‭ ‬كان‭ ‬‮«‬‭ ‬أول‭ ‬محطة‭ ‬عربية‭ ‬انطلق‭ ‬منها‭ ‬قطار‭ ‬التطبيع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭, ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مساعي‭ ‬الخرطوم‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬الاستقلال‭ ‬عن‭ ‬مصر‭ ‬وبريطانيا‭. ‬

شاهد أيضاً

فئة الخمسين… وحال المساكين

باختصار بقلم د. علي عاشور قبل أيام انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي صور لقرار خازن …