منصة الصباح

«ميلوسينا»

«ميلوسينا»
____
فتحية الجديدي

عندما لمس جسدى الماء تحولت إلى سمكة وصرت أسبح من شاطئ مدينتي إلى آخر بمدينة إيطالية لا أعرفها .. وعندما خرجت من الماء عدت لهيئتي الأولى ، لكنني وجدت نفسي وحيدة، بعد ساعات من الفرح، رفقة صديقي .. هي دقائق إفطار قضيناها معًا، لكنني رغبت في العيش في تلك المدينة.
لا أعلم إن كان خيالي هو من أوحى إليه بهذا التصور منفرداً أم أنه وقع تحت تأثير أسطورة «ميلوسينا» التي كانت جزءًا من الفلوكلور الأوروبي وصورت كامرأة نصفها سمكة – أو أفعى في رواية أخرى – تجوب الأنهار في صورتها هذه كعقوبة لها – ولست أدري أكنت معاقبة أم محظوظة بتحولي هذا؟.
استعدت قواي ومشيت وحيدة حتى قابلت أحدهم وعرفته على نفسي، وشرحت له ظرفي، الذي جعلني في المكان، وعن رغبتي أيضًا، فقادني إلى أحد المسؤولين بالبحر وطلب مني أوارقاً ليستكمل إجراء اللجوء الإنساني وطلب مني الإدلاء بمعلومات عني وأسباب وكيفية مجيئي إليهم.
قمت بكل ذلك وأنهيت جزءًا كبيرًا من الأمر، وبعد أن تمت إحالتي إلى سكن اللاجئين والمهاجرين تذكرت صديقي الذي بقي حزيناً على شاطىء المدينة مع إفطارنا ، هربت من المخيم وأسقطت نفسي في الماء، لأعود سمكة من جديد وأسبح للبحث عن صديقي وآخذه معي.
عدنا سويًا بعد أن فقد الأمل في ملاقاتي وطلبنا اللجوء وخرجنا من المخيّم الإيطالي وقمنا بالعمل في أحد المقاهي .. أنا كصانعة قهوة وهو في خدمة الزبائن، إلى أن جمعنا مبلغًا مالًيا متواضعًا، وطلبنا بعض المساعدات وفتحنا صحيفة ورقية تعنى بالشأن الثقافي لبلادنا وأنشأنا موقعاً إلكترونيًا يخص تلك الصحيفة.
تذكرت أنني كنت رئيسة التحرير وهو رئيس مجلس الإدارة مع بعض الصحفيين، تذكرناهم وأردنا الاستعانة بهم وقمنا بالاتصال ببعض الأصدقاء المقربين لمراسلتنا ومدنا ببعض المواد الصحفية وكتابنا الذين نعتز بهم واخترنا أن يكون لهم تعاون معهم.
بعد ثلاث سنوات قررنا أن يكون لنا منبر إعلامي مشترك وظهور مرئي للناس، وقد قررنا عدم العودة ومصارحة أهلنا وذوينا بذلك، وكانت صدمة زوجة صديقي كبيرة فاعتبرتني خائنة وعدته خائناً أيضًا ، أما أهلي فوافقوا على مضض، مع شرط أمي بأن نتبادل الزيارات وأن يتزوجني صديقي ولا أعيش معه دون ذلك.
وبعد ست أعوام ظهرت كنائبة لبرلمان بلدي ، أحتج على الممارسات التعسفية التي تطال الصحفيين وزوجي رجل أعمال رأس ماله الكتب واللوحات التشكيلية والقطع النادرة، ولكنه وقع في مصيدة امرأة إيطالية، اسمها صوفيا وهو يعني الحكمة.
كانت امرأة قوية وجميلة ، أوقعته في شباكها واكتشفت خيانته، حيث اشترى لها يختاً وكانت تجلب له الزبائن للتجارة في الآثار ، بلغت عنه الشرطة التي قبضت عليه وألزمته بدفع غرامة وصلت الي مليوني دولار، فأعلن إفلاسه وأخذت منه الصحيفة والمنصة والإعلامية.
وبعد عام واحد قمت بتهريبه من السجن مستفيدة من قدرتي على الإغواء وقفزت معه إلى البحر، وعدنا أسماكاً تسبح إلى غاية وصولنا لشاطئ مدينتنا الأصلية ووجدنا إفطارنا كما هو على سياج المكان وصورتانا تنعكس في الماء ونحن نقهقه على نسج خيالنا، عندما كنا في حديث متناغم مع مجموعة أسماك كانت تلاحق بعضها البعض وتتجمع على فتات الخبز أمامنا .
تحياتي لصديقي العزيز .. وإلى زوجته المصون.

شاهد أيضاً

الـولاء للـــوطن

مفتاح قناو لا يمكن للمواطن الليبي العاشق لتراب هذا الوطن أن يكون شيئا أخرا غير …