جمعة بوكليب
زايد …ناقص
العنوان أعلاه استعرته من أغنية شعبية تُغنّى في الأعراس في طرابلس، لدى وصول عروس إلى بيت الزوجية للمرّة الأولى. الأغنية تغنيها النسوة من أهل العريس ترحيباً بالقادمة الجديدة، التي ستنظم إلى العائلة. فما أن تصل العروس إلى بيتها الجديد، يتلقفنها النسوة منشدات: “مرحبا يالافيه بقدوم العافية.”
مفردة ” عافية” بمعناها المتعارف عليه مُعجمياً، تحمل في السياق الليبي معنى آخر وهو النار! ذلك أن الليبيين تأدّباً في الحديث، يحرصون على تفادي ذكر اسم النار أمام سامعيهم، على اعتبار أنها ممكن أن تكون مُضرة. لذلك السبب أسموها عافية.
وبالتالي، فإن وصول امرأة جديدة إلى بيت العائلة، وضمن سياق النسوة من أهل العريس، ربما يعني كذلك احتمال الحاق الضرر. وفي أغلب الأحوال يتحقق ذلك، ولا تتحقق العافية بمعناها القاموسي المتعارف عليه.
هذه السطور ليس في نيّتها الترحيب بعروس قادمة إلى بيت زوجها، بل الترحيب بوصول مبعوث أممي، أو بالأصح، مبعوثة أممية جديدة، مرسلة إلى ليبيا اسمها ستيفاني خوري، أمريكية الجنسية، ومن أصول لبنانية. جاءت لتحلّ محلّ مبعوث سابق، قال في مقابلة مع صحيفة فرنسية عقب اعلان استقالته:” أشعر انني قبلت أسوأ وظيفة في العالم بعملي مبعوثاً أممياً في ليبيا.” وهو بقوله ذلك، وكأنه يتحدث نيابة عن كل من سبقوه من مبعوثين أممين.
مرحباً بالسيدة ستيفاني خوري في وكر اللصوص والقراصنة، وكهف عصابة الأربعمائة حرامي. ومن غير اللائق تحذير من كان على وعي وادراك بما سيواجهه من متاعب، وما ينتظره من مصائب. التحذير في العادة يقدم على طبق ذهبي لمن هو قادم على مهمة ولا يعرف مخاطرها لكي يحترس. أما القادمة الجديدة، فنحن على ثقة من أنّها على وعي وادراك بأدق التفاصيل، وتحمل في حقيبتها خريطة طريق مفصلة بالأمكنة وبالأشخاص، وبكل “الطروح” التي حدثت.
الواجب يحتّم علينا الترحيب بضيوفنا، وأن نتمنّى لهم إقامة طيبة في ربوع بلادنا الجميلة. ونتمنّى من كل قلوبنا التوفيق والسداد للسيدة خوري في مهمتها، وأن تحقق ما فشل فيه المبعوثون الثمانية، الذين حاولوا قدر جهدهم الحرث في بحر أجاج، وغادروا ليبيا محمّلين بالخيبة والفشل.
السيدة خوري على ما يبدو على عجل من أمرها، وبدت حريصة على ابداء عزمها على الخوض في المستنقع الليبي بأوحاله. ونقلت وسائل الاعلام صوراً لها مع ممثل ليبيا في الأمم المتحدة، وظهرت في الصورة فرحة مبتهجة مستبشرة وكأنها في طريقها لحضور حفلة عرس. وهذه بادرة طيبة، فالتفاؤل مطلوب في بداية كل مهمة. ورحلة الألف ميل، كما يقال، تبدأ بخطوة. والخطوة الأولى في المهمة الأممية، هي الحرص على الظهور اعلامياً بمعنويات مرتفعة، ممتلئا بالثقة ومسكوناً بالأمل. وهذا ما فعلته السيدة خوري، وهو الصحيح والمطلوب والمرغوب.
هناك مثل شعبي ليبي يقول:” يامبعد مكة على بوحمار.” والمعنى واضح. فقديماً كان الحجيج يركبون الابل أو السفن للوصول إلى الأراضي المقدسة، ولا يركبون حميراً. والمعنى أن لا أحد ممن سبقها من مبعوثين أممين تمكن من انهاء حتى ما نسبته واحد بالمائة من رحلة الألف ميل. لأن التعامل مع من يبيعون الريح للمراكب فنٌ صعب المراس، لا يختلف عن التعامل مع لصوص وقراصنة ومحتالين..الى آخر القائمة. وبائعو الريح للمراكب معروفون بكونهم يبيعون بضاعتهم لمن يقصدهم. يسمعون منه ما يريد ويكرهون، ويفعلون ما يريدون ويكره. وبعد خراب مالطا يفيق المشتري من الوهم، ويكتشف أنه ابتلع الطعم كاملاً. ويودعونه ضاحكين.
نأمل من كل قلوبنا للسيدة خوري النجاح.