منصة الصباح

لننتصر معًا

محمّد الهادي الجزيري

 

في أزماتٍ وتجليّات كثيرة، التجأتُ لكَ، كان وجودك ودوركَ حاسِمًا في إنجادي من أيّ قاتلٍ جبانٍ ومتخفٍّ، سيّدي الماء… انسكب بكلّك، بمفرد وبرغبة منك، انسكب دفعة واحدة وأزل عن حياتنا هذا الجدار الوهميّ الفاصل بيننا وبينها.. أزله من الأجساد والبيوت والطرقات.. من على جدران المدارس وآلات الخياطة والأشجار ومقاعد الحدائق العموميّة فكلّ شيءٍ يحتاجك هنا، والآن..

انصبَّ عليه أيّها الماء كما لم تفعل يومًا، لتمحوه وتطمسه وتدفنه أسفل السّافلين، لقد جلب للبشر الوباء والفناء، إنّه يغزو عالمنا ويهدّد حضارة البشر.. فانتصر.. رجاءً

أهطل علينا برشاقتك المعهودة والمدروسة بذوق رفيعٍ من خالقك ومبدعك، أهطل كأنّك قطرة واحدة جامعة فيها الرواء والشفاء، انزل من تلقاء نفسك، حدّد وجهتك واجعل الحياة تنمو، أنقذ حقولنا من الجفاف وانفخ من روحك في النباتات والمروج والبساتين..

دعني أمدحك قليلًا: يا أيّها المتسلّل إلى نسغ الأشجار كما الروح في الجسد، يا واهب الحياة لكل شيء تمسّه، تُحيي الميت بعد أن تيأس منه النفوس والعقول  فيصبح حيّا نابضا ممتلئًا بالنّشاط والحركة، أيّها الجبّار الساكن في أحواض السدود لكي لا تهدم إنجازات البشريّة المبدعة ..

أحتاجك أيّها الماء في هذه اللّحظات، مثلما احتاج محمود درويش إلهه حين قال:

يا خالقي في هذه الساعات من عدم تجلّ لعلَّ لي ربا لأعبده لعلّ.

لستَ من عدمٍ فتعالَ… وازحف وانصبَّ وتدلَّ.. تدلَّ تدلَّ..

يا سيدي الماء، يا أرقّ ما لامسته ولامسني ، كيف تشقّ مجراك في قلب الصخر؟ ألديك أنياب أو أسلحة خفية لا تبصر؟ أرقبك وأنت تترقرق بين الصخور وتسلك طريقك القديم / الجديد بكلّ جدية وثبات، رغم أنك تَ تَ رَ قْ رَ قُ كطفل وديع، كم جبت من مساحات في الأرض وأوغلت فيها وأنت تفتعل الرقرقة الرّهيفة السهلة الرقيقة..أنظر ماذا تركت على الأرض من آثار تقدّمك واقتحامك لها ..جداول وَوديان وَأنهار وَبحار عظيمة ..كم تتفوّق عليّ يا ماء ..كم أحسدك وأرغبُ في أن أتحول إلى كائن مائيّ وشفّافٍ مثلكَ..

أيّها الصّاعد إلى الأعلى على شكل سحب، ما أروعك حين تنحت الأشكال والصور والرسومات على خيارك وحسب ميولاتك وتوجهاتك، لنتبعك قليلا وأنت ترسم بفرشاة الريح أجمل التهويمات الفنية …

إنّي أدعوك من داخلِ كلّ خليّة فيّ وبكلّ الأبجديات الممكنة.. أترجّاك أن ترحل بهذه الجرثومة إلى أقصى درك في الجحيم ليعود العالم كنّا نعرفه، فلقد صرنا نحنُّ إليه رغم وعينا ببشاعته وحقارته وقسوته، إنّنا نعلمُ كلّ هذا ولكنّه يظلّ عالمنا، نحن البشر، عالمنا الّذي يحتوي كلّ أزماتنا وخصوماتنا وصراعاتنا من أجل اللّذة والجاه والسّلطة..

أحبّه عالما كما كان، وأنا على يقينٍ أنّ كثيرين من أجيال وشعوب مختلفة سيحاولون تغييره مثلما هو الحالُ دائما، إنّها حركة التاريخ، وإنّه الوجود الّذي يوزّع الدهشة والحلم والإرادة بيننا بالعدل، أنا على يقين أنّ صراعًا سيظلّ حيّا هنا، إن تمكّنا من المحافظة على الحياة..

أحبّه عالما تحكمهُ الحركة، عالما يُقلقنا ضجيجهُ ولكنْ لا نفقدهُ هكذا، فجأةً، ونتحوّلُ إلى عاجزين وبائسين وغير قادرين على مغادرة بيوتنا ومعانقة الآخرين والاختلاف معهم حتّى، إنّنا متشابهون حتّى في حاجتنا إلى الاختلاف، وإنّنا نرغبُ حقّا في أن نعود إلى خصوماتنا المؤجلة سواء كان ذلك على صعيدٍ ضيّقٍ، أو على صعيدٍ يشملُ كلّ العالم، فانزل رجاءً أيّها الماء وحرّرنا.. أهطل بكلّك، بقسوتك اللّينة الّتي نحبّها، وساعدنا على أن نعود إلى الحياة بلهفة أطفال، أزح هذه العلّة عن خلايانا وأطفالنا ونسائنا ورجالنا، دعنا نتصارعُ من أجل كلّ شيءٍ أو من أجل اللّاشيء، تشكّل في سمائكَ، سافر، زُرنا في كلّ القرى والمدن، ثمّة شعرٌ كثيرٌ سيكتبُ وحبّ كبيرٌ سيعاش.. ثمّة أحلام تحلم بلمس الضوء وأطفالٌ يحلمونَ بالرّكضِ دون توقّف وأمّهات ضجرات يحلمنَ بالنّوم دون خوفٍ.. ثمّة شوارع تنتظرُ قدومكَ، ثمّة عالمٌ يحلمُ بالتحرّر، ثمّة حياةٌ تنتظرُ قدومكَ لترقص…

شاهد أيضاً

استعراض مشروع الطريق السريع القطاع الرابع مصراتة راس اجدير

ناقش وكيل وزارة الحكم المحلي لشؤون البلديات مصطفى أحمد سالم مع كل من وكيل وزارة …