منصة الصباح

لعنة «الحنين»

لعنة «الحنين»

فتحية الجديدي

عاد بعد أربعين عامًا إلى موطنه الأصلي «إيطالياً محملاً بهمومه التي شهرت أخاديد وسهوب سوداء على وجهه، بينما ينعكس في عينيه لمعان شعره الفاحم ومزيج من الحدة والشوق والاستغراب يزود نظراته ببريق إضافي.
يحرك جسده النحيل بخطواته المتسارعة، وذاكرته تعبث بها لحظات وفدت إليها من الماضي، عندما كان يرافق صديقه على دراجته النارية للقيام بأعمال البلطجة والسرقة والتسكع.

مشاهد لن تخطئها أبصارنا وستنال اهتمام ذائقتنا، عن أرضية مليئة بالذكريات تناولتها المدرسة الواقعية السينمائية الإيطالية، باللعب على أوتار الذاكرة المصورة والمقارنات المتقاطعة بي الماضي والحاضر، وملامسة الإيقاعات النفسية بـ«رتم» بطيء يجعل المتلقي يشارك في الاستنتاج والتخمين -بل والتوقعات- بدلاً من الاكتفاء بالاستلقاء إزجاءً للوقت.

في تلك القصة الفائضة حنيناً وغرابة، يعود فيليس لاسكو (فليتشي) إلى نابولي بعد أن عاش سنوات عديدة في مصر لرؤية والدته المسنة، التي تركها فجأة عندما كان لا يزال صبيًا، فيجدها قد غادرت هي حياته إلى غير رجعة، ويستوعب آنذاك صعوبة العيش وحيدًا.

في مدينته الصاخبة، يضيع بين حجارة المنازل والكنائس في منطقة «سانيتا»، راطناً بايطالية أحسها غريبة رغم أنها لغته الأم.

كان مفتونًا بتعويذة غريبة وانفجرت فيه ذكريات الحياة البعيدة التي قضاها مع «أوريستي» صديق طفولته والذي يشاركه سرًا.

حالة من التوهان والبحث عن أزمان ماضية، هي محور حكاية فيلم «حنين» الذي تم عرضه مؤخرًا في قاعة باب البحر بدار «عبدالله كريستا» في المدينة القديمة، ضمن أيام السينما الذي نظمته السفارة الإيطالية في ليبيا، أكملته بعد عودتي للبيت نتيجة تعطل شاشة العرض في الجزء الأخير منه ، ولم أتوقع بتاتاً نهايته بطريقة العودة إلى الواقع – التي سأتركها لكم مع بعض الإضاءات. : فكيف أصبح صديقه ؟ وهل عاد إلى وزوجته العربية ؟ وهل كان متفقًا مع إحساسه بالذنب الذي اعترف به للقسيس وكيف كفّر عنه ؟

هذا الفيلم حرك أسئلة داخلي .. فهل الحنين يجعلنا نعود إلى أماكن نحبها حتى وإن كانت مظلمة؟ ماذا ستفعل لنا الذكريات لو عدنا إليها بعذاباتها التي ربما تجعلنا نضعف حتي مع ابسط المشاعر ؟ وماذا يمكن أن تحمله الأمكنة التي هجرتها ذاكرتنا وغادر عنها من أحببناهم؟ ! قصص أخرى مفتوحة أمام لعنة الحنين.

شاهد أيضاً

الـولاء للـــوطن

مفتاح قناو لا يمكن للمواطن الليبي العاشق لتراب هذا الوطن أن يكون شيئا أخرا غير …