منصة الصباح

“على ساق واحدة “

______
محمد الهادي الجزيري

‏كتاب اليوم هو متن فلسفي / أدبي ، عبارة عن حصيلة كتابات في صحف ومواقع ثقافية، دأبت الكاتبة على التعامل معها ..وقد وجدتُ صعوبة في تقديمه لكثرة المادة الفلسفية فيه عكس تكويني المعرفي ..فأنا شاعر أصلا ..لذا قرّرت التجادل معه والخوض فيه بطريقتي الخاصة جدّا ..فهو غاص بأسماء أعلام ومقولاتهم وهو مثلما قالت لانا المجالي ‏ ” أن أمتنع وبشكلٍ قاطِع – رغم ما يسبِّبهُ مثل هذا الالتزام من إحراج مع أساتذتي وأصدقائي- عن الكِتابةِ حولَ الأشخاص أو منجزاتهم الإبداعيَّة، والانشغال عوضًا عن ذلك بتناول الموضوعات التي شكَّلت حجرَ أساس في معمار الإنسانيَّة الإبداعي..”

‏فلتكن سباحتي في كتاب “على ساق واحدة ” مع المقولات المعرفية سباحة عاشق يختار ما يريد من مقتطفات متفرقات تشدّه فيحاورها ..معتذرا لأسماء الآلهة والشعراء والعلماء والحكماء ومن لفّ لفّهم ..ممّا صادفتهم وأنا أقرأ هذا الكتاب…

‏أوّل الجمل التّي شدتني تتصدّى للفراغ الساحق الذي يشغلنا نحن ” الإنسان ” ..تقول لانا المجالي ما يلي :
‏ ” نغطِّي جدران بيوتنا باللوحات والصور ،نكايةً بالفَراغ ؛لأنَّنا كائنات مُجَوَّفة ”
‏نحن نقول في المثل الشعبي التونسي ” العين لا يشبعها إلا التراب ” للتعبير عن امتلائنا بفراغ شامل لا يقدر عليه إلا هادم اللذات ومفرّق الجماعات ..ألا وهو الموت ..، فنحن لا نرتوي ولا نشبع بأيّ شيء ..ونظلّ نركض في سبيل ذلك الهدف دون جدوى.. باستثناء الموت الرادم للتجويف الأصلي فينا…
‏تعرّي الكاتبة جراحنا الدفينة ..وتنكأ ما يؤلمنا ..فتشير إلى الأجيال المتعاقبة وما تركت لنا وما خلّفت لنا من كنوز ومعارف وما لا يُحصى من معالم واكتشافات مذهلة ..فتقول :
‏ ” الآثار التي نحتفي بها ونزورها في المتاحف ؛ أزمنة أجدادنا المتجمِّدة ”
‏هذه حقيقتنا المؤلمة ..كم من فتى مولع وفتاة طافرة عبرا نفس الدروب التي نقطعها ..كم من عالم كرّس حياته للبحث والتجريب ..أصبح اليوم صورة أو كلمة تدلّ عليه ..، لذلك ركزّت الكاتبة على لفظة ” المتجمّدة “لتصف لنا مآلنا نحن الذين نتجوّل في المتاحف…
‏هذا كتاب جيّد ..لا أدري كم من وقت سخّرته لكتابته ..وجمع مئات الأسماء لمفكرين وفلاسفة وشعراء ..وحتّى آلهة الغرب والشرق ..خلاصة القول لقد حاولت لانا المجالي فأصابت ..فشكرا لها ..وفي الختام أترككم مع مقولات أوافقها فيها تماما…
‏*****************
‏لا يمكن الكتابة عن الموسيقى؛ لأنّ التعبير عنها بالكلمات يفقدها بلاغتها الثمينة، وها هو
‏نيتشه يؤكِّد:” بالمقارنة مع الموسيقى، يمكن القول إن التواصل بالكلمات شيء مخزٍ” فالكلمات تنطوي على وحشيّة؛ إذ تحيل غير المبتذل إلى مبتذل
‏هذا يعني، أن كلماتي نفدت، بانتظار أن تعزف الموسيقى، وإلى الأبد.
‏*******************
‏أزمة الشُّعراء، خُرافَة.
‏الشُّعراء الجيِّدون يملأون الأرض، يحتفي العالم بقصائدهم، ونرجمهم في بلادنا بالحِجارة النقديَّة والأحكام القَطعيَّة، ونضع البيض الطّازج والفاسد في سلَّةٍ واحدة؛ لأنّهم خَرجوا على أعراف القَبيلة، أو بالأحرى، لأنّنا نرفض أن يكون الشِّعر ابن زمنه، يتحدَّث لغته، ويحمل همومه، ويواكب إيقاعه
‏**************************
‏أزمة الشِّعر، خلط أوراق وسوء تقدير.
‏الإنسان الحديث متأزِّم، لا الشِّعر؛ الرَّكض المحموم، وساعاتنا الذَّكيّة، وعدد القتلى في شريط الأخبار العاجلة، ومؤشِّر البورصة المتذبّذب، كلّها وغيرها، زادت المسافة التي تفصلنا عَن شساعة الشِّعر… طفولة الشِّعر… صفاء الشِّعر….
‏*****************
‏أن يكون أشهر طهاة العالم من الرجال، لا ينفي حقيقة أنَّ الطعام المنزليّ الذي تعدّهُ النِّساء أكثر حميميّة والتصاقًا بالذّاكرة العاطفيَّة
‏أن يكون أشهر الكتّاب من الرِّجال، لا ينفي حقيقة أنَّ الكاتبات أكثر قدرة على تحويل الطعام وطقوس طهية وتناوله إلى بطلٍ روائي…
‏********************
‏المرأة التي تُعِدُّ أصناف الطّعام على أنغام الموسيقى وتبيح لنفسها الرّقص بين خطوةٍ وأخرى، يحقُّ لنا أن نطلق عليها لقب شاعرة
‏كم شاعرة في بلادنا حسب هذا الوصف ؟ كم قصيدة يمنحنا القدر أن نأكل؟

شاهد أيضاً

استعراض مشروع الطريق السريع القطاع الرابع مصراتة راس اجدير

ناقش وكيل وزارة الحكم المحلي لشؤون البلديات مصطفى أحمد سالم مع كل من وكيل وزارة …