منصة الصباح

عشوائي..

أشرعة

بقلم / جمال الزائدي

لاشحوب صورته كاميرات هوليوود او قصص فرانز كافكا المرعبة يمكن ان يشبه الشحوب الذي رأيته بأم العين في وجوه جيراني من اطفال وعجائز صباح يوم الاثنين الثالث من فبراير 2020، بمن فيهم الشباب الأفارقة الذي تعرض منزلهم لإصابة مباشرة ..في الطريق إلى محطة الانطلاق كانت الأزقة والشوارع التي أمر بها شبه خاوية سوى من بعض القطط القذرة ..وللمفارقة كانت الافيكو « ميكرو باص» التي استقللتها تعج بالركاب من مختلف الأعمار أكثرهم فتيات ونساء تحولت وجوههن إلى حدائق تغص بالألوان المفرحة كأن عزرائيل لم يمر بمنجله القاطع من هنا قبل لحظات.. كنت أترنح مع كل وقفة مفاجأة أو انطلاقة مستعجلة وكانت أفكاري في تطابق تام مع حركة الأجساد المتماوجة التي تشاركني وقفتي غير المريحة..لم تكن بي رغبة ولا قدرة على المساهمة أو الإنصات لأي حديث.. لذا استسلمت لصخب الفكرة الأساسية التي استولت على عقلي: كيف للحياة ان تتحول إلى حادث عارض كالموت غيلة تماما.. بالصدفة تحيا لأن الصاروخ اخطأ غرفة نومك وسقط في غرفة نوم جارك.. بالصدفة تحيا لأن الشظية تجاوزت شرايين عنقك بسنتمترات واستقرت في صدر محظوظ آخر كان يسير الى جانبك..

نحن سكان بوسليم وضواحي طرابلس الجنوبية التي يقطنها الفقراء والبسطاء نعرف جيدا ان الحرب ليست لعبة وليست ممتعة كما يتصورها ضيوف برامج التوك شو على قنوات العار الليبية.. الذين يعيشون الحرب عن بعد وبمشاعر افتراضية معزولة عن تفاصيلها البشعة.. يمكنهم – بضمائر مطمئنة – أن يحاكموك أنت الذي تكابد مع أطفالك ويلاتها..ويصفعوك بالجبن والتخاذل، فقط لأنك لا تستطيع مشاركتهم قناعتهم المريضة بضرورة أن تدمر البيوت وتغلق المدارس ويقتل الأبرياء من أجل مجد الوطن المرتبط بطبيعة الحال بوصول أحدهم للسلطة..

لست في وارد الحديث عن الكارثة كيف بدأت ومن بدأها ومن كان مع من.. ومن كان ضد من.. ولا كيف كان الوطن وسيادة الوطن ومجد الوطن قميص عثمان الذي تمسح به الجميع ورفعه الجميع شعارا مقدسا للذهاب نحو المذبحة بقلوب رابطة الجأش.. ما يعنيني هو الوجه الحقيقي لهذه الحرب البشعة بدون مساحيق .. الحرب دون إضافة أو حفر في ذاكرة القبيلة والفروسية لتبريرها وأنسنتها ،أو محاولة إسباغ القداسة أو حتى إدانتها ..الحرب بصفتها المجردة ،بفاعليتها الحياتية التي تنعكس على مصير ضحيتها ..قتل وإعاقة وتشريد وضياع أرزاق وفقر وعوز وانهيار علاقات ..  الحرب كما يعيشها الناس في الواقع و كما لن تكتبها أقلام المشعوذين من إعلاميين ومؤرخين ..الحرب كما  سيتذكرها  الناجون الذين نزحوا من قصر بن غشير ومن مشروع الهضبة ومن طريق المطار ومن وادي الربيع ومن عين زارة ومن العزيزية والزهرة وووو..

هذه الحرب يجب ان تتوقف لأن عارها لن يسقط بالتقادم.. وسيظل يلاحق من أشعلها ومن اشترك فيها ومن أيدها.. ومن سكت عنها..

شاهد أيضاً

(عن ايام الطباعة نار ورصاص واورام )

زكريا العنقودي انا ولد مطبعة وكبرت من عمري 15 العام بين الحبر والاوراق ، وللعلم …