منصة الصباح

طبيعة شعبنا..

جمال الزائدي

كانت قصيرة القامة تميل إلى الامتلاء وتبدو من وراء الكمامة السوداء بعينين كبيرتين لامعتين وجبين ناصع البياض ..

تمشي بخفة وحذر لص ممسكة بكيس نايلون يبدو ثقيلا..للوهلة الأولى يمكن للمرء أن يتوجس خيفة من سلوكها الغريب ..

عندما لاحظت وجودي خلفها على بعد خطوات قليلة ..لم تجد بدأ من القيام بحركتها الحاسمة ..وضعت الكيس المليء بالخضار الطازجة والمواد الغذائية أمام عتبة باب البيت المتهالك وانسحبت  بلمح البصر خوفا من أن يقبض عليها بالجرم المشهود ..لم تكن تريد أن يراها أحد وهي تقدم المساعدة لجيرانها الفقراء حفظا لكرامتهم ومراعاة لمشاعرهم..لقد فاجأني الموقف أولا لنبل المقاصد فيه وثانيا لأنني كنت قد ذهبت بظني إلى اتجاه معاكس تماما لحقيقة ما جرى في الواقع .. انها واحدة من هؤلاء الذين يخاطبهم القرآن الكريم: بالقول – إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ ..

بالنسبة لي كان المشهد بمثابة رسالة من السماء رفعت عن كاهلي جبالا من اليأس والقنوط الذي استولى على وجداني عقب تتبعي لأخبار  الجريمة المروعة التي وقعت اول امس بأحد الأحياء داخل العاصمة طرابلس وراحت ضحيتها عائلة كاملة على يد مجهولين .. مشهد السيدة المتسللة كلصة أعاد إلى الايمان بطبيعة شعبنا الطيبة وجوهره الخالد النبيل المجبول على الخير والتراحم والتعاطف..

صحيح أننا عشنا مآسي أشكال وألوان..واختلفنا و تقاتلنا وتبادلنا الاذى  ..لكن كل ذلك في النهاية لم ينسينا أننا أخوة أصلنا  واحد ومصيرنا واحد .. تلك السيدة هي الأصل في قيم وسلوك شعبنا ..اما قتلة العائلة الطرابلسية ومن على شاكلتهم فهم شذوذ وطفرة عابرة ..

انني لا أؤمن بوجود شعب طيب وشعب شرير ..أو شعب شجاع وآخر جبان..أو شعب كريم وشعب خسيس ..فتلك صفات تنطبق على الأفراد ومحكومة ببيئة اجتماعية وشروط ثقافية ..لكني من ناحية أخرى أعتقد بالطبيعة الخيرة للجنس البشري ومع التسليم بقدرة الظروف على إفساد جمال الأشياء فإن الرهان على جمال جوهر الإنسان الليبي يظل رهانا مبررا ورهانا موضوعيا في وجود مثل هذه السيدة التي أضاءت صباحي هذا النهار ..

شاهد أيضاً

السيد مدير مركز المناهج التعليمية يبحث مع اليونيسيف بدء تطبيق مهارات الحياة في المناهج التعليمية

  الصباح   عقد مدير عام مركز المناهج التعليمية والبحوث التربية د. سيف النصر بالحسن …