منصة الصباح
محمد الهادي الجزيري
محمد الهادي الجزيري

صياد الألسنة

محمد الهادي الجزيري

رجعت إلى عنوان أوّلي إذ افتتحت به مسيرتها وهو ” صيّاد الألسنة ” وفازت به بجائزة الشارقة للإبداع العربي في إحدى دوراتها الفارطة..، وهي الكاتبة روعة أحمد سنبل وسنكتشف معها أغوار هذا المتن القصصي ولنبدأ بقصة أولى وهي “حزن برائحة واخزة” ..لما فيه من خدع فنية وخداع أسلوبي للقارئ، فالسرد يقصّ علينا يوميات امرأة حزينة ..جرّبت كلّ الوسائل الممكنة للقضاء على الشجن والاكتئاب ..، كقراءة آيات من القرآن ..وشرب ماء مغلي بأعشاب ..كما تجرّعت أقراصا مهدئة للأعصاب دون جدوى..، وخلاصة الأمر لجأت إلى حيلة ماكرة تتمثّل في  تقطيع البصل ووضعه في أكياس من ثمّ تخزينه في الثلاجة ..كي تغيض زوجها ربّما ..، المغتاظ منها أصلا ..، الحكاية منها آلاف الحكايات في البيوت جمعاء ..وهي تتطرق إلى برود يلمّ زوجين ..وتجّهم باد على وجههما طيلة الوقت :

” بحثت عن نظرة استحسان في وجه زوجها المتجهم دوما، هرب بعينيه إلى الورقة المثبتة بمغناطيس على باب الثلاجة، قرأ لوازم المنزل، التقت عيناها المستكينتان بعينيه اللتين تقدحان شررا، ارتعدت حين نهرها صارخا باستنكار :

ـ   بصل، ما قصتك أنت؟

منذ يومين أحضرت بصلا ، معقول أنّك استخدمته كلّه ”

القصة الثانية بعنوان ” جنّية متقاعدة ” ورغم عنوانها الطريف وهو ما شدّني لقراءتها ..فإن هذا المتن يستدرجك إلى أحزان أخرى بعد أن يستهلّ النصّ بالحديث عن أسنان الأطفال اللّبنية ..وغرف نومهم ..، إلا القاصة الماكرة تلجأ إلى فكرة التقاعد الوظيفي ..فتحدّثنا عن قبولها بوظيفة تملأ بها الوقت ..، فنجد أنفسنا في مستشفى وعمليات جراحية ..، المهمة الجديدة ل ” جنيتنا المتقاعدة ” إزالة الأورام والنهود المعطوبة ..من أجساد مريضة للأسف:

 

” اقتلاع نهد مترّهل متهدّل بدا أمرا منطقيا بالنسبة لي ، أمّا ما أثار دهشتي، أنّنا بين الحين والآخر كنّا نقطف دون رحمة نهدا فتيّا ناضجا كثمرة رمّان..لم أفهم ما يحدث، ابتلعت دهشتي وجهلي، وعقدت العزم على البحث عن إجابات شافية في أوّل فرصة تتاح لي ”

وتتواصل القصص المشحونة بالحياة ..بمصاعبها وتفاصيلها المتراكمة ..، إلى أن نصل القصة التي أهدت عنوانها للمجموعة أي ” صيّاد الألسنة ” ..، سنكتشفها معا وتكون خاتمة لهذه الجولة الرائقة في هذا المتن الثريّ المليء بأحداث الحياة الحلوة والصعبة في نفس الوقت …، تقول الأحداث أنّ قرية هادئة ككلّ القرى ..ولا يعني الهدوء الموت، ففيها الحركة والثرثرة وضجيج الحياة ، وبغتة يصاب أهلها بكائن سريالي ينزع ألسنة القوالين النمامين ..أولئك الذين لا يعجبهم شيء ..، ويتهكمون من كلّ شيء ..، ..وهذا صياد الألسنة يدرك من به حدّة في الحديث عن جيرانه وأقاربه ..من لا يرتاح إلا حين يحرّك هذه اللحمة المسماة اللسان ..، يحركّها في ما لا يعنيها ..وهذا جزاء كلّ نمّام ..، وخلاصة القصة هو القضاء على الثرثرة الفارغة ..والعناية بالمجتمع ..وتربية النفس على ذاك ..، وفي خاتمة القصة الطريفة ..، يسترجع أهل القرية ألسنتهم بفضل ( القاصة ) وسط أجواء فرحة وأصوات يصدرها الذين تعافوا من عاهتهم :

” شقت الهواء زغرودة ، انطلقت من حنجرة جارتنا ، التي فقدت لسانها منذ أسبوع ، تأملت بانبهار لسانها..، يتراقص رشيقا في فمها، ثمّ انضمت إليها عشرات الزغاريد ، زغاريد ألسنة كثيرة فتيّة، انتشت من جديد، وأخرى ملّت اليباس والصدأ “

شاهد أيضاً

اللي تعرف ديته.. اقتله

مثل ليبي يصف بعضا من الواقع الذي نعيشه بإرادتنا أو فرضًا علينا، فمنذ أيام ضجت …