منصة الصباح

أروقة..(2)

إيناس احميدة

“انهي الكلام انت وياه … لوح التلفون من ايدك .. اوقف هنا … اطلع اوقف بره … بطل دوه…”

عبارات يرددها حرس ببدلات مختلفة لا يمكن تمييزهم او تمييز ادوارهم.. لكن بالتأكيد كلمتهم مسموعة داخل الممرات المتداخلة والمحاطة بأبواب وسلالم…الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود..

ممتدة هي اللحظات التي يعم فيها الهدوء قبل أن تتبدل الوجوه من جديد .. عالم يغادر مبتسما وأخر يغادره الابتسام .. بل ويرافقه الدمع والخوف والكدر ..

لم يمض النهار على السيدة الجالسة بقربي حتى دنت منها سيدة لتخبرها بأن الأمر زاد تعقيدا وبأن زوجها الذي اعترف بمسؤوليته عن تحويل المبلغ عليه إعادته كاملاً قبل أن تنطلق باكية وهي تصرخ بأنها بين نارين لن تخمد احدهم حتى تشتعل الأخرى :” شرك وطاح في الحجر” حيث استطاع الاثنان الضحية والجاني…الأخ والزوج زجها في كل هذا .. نهضت دون تفاصيل أخرى لكنها واصلت البكاء في اتجاهها للدرج.

حال السيدة الأخرى التي جاورتني ليس بأفضل وإن خفف من معاناتها ما أسرت به محاميتها حول حصول ابنها على إفراج في أحد القضايا وبأنه سيعاد لمحبسه حتى يتم الفصل في قضيته الأخرى .. مر بزيه الأزرق محاطا بشرطيين.. تبعتهم بلا تعابير تذكر وإن أسرعت الخطوات لتلحق بهم.
يسهل التقاط ما شعرت به كانت غارقة في الكمد… رافقتها عيناي دون حتى تحية أو حتى تمنيات بفرج قريب.

عدت لهاتفي قبل ان يلفت انتباهي صوت رخيم لرجل مسن يحاذي طفل يجره قائلا:- استنى توا تطلع هي وياه … ظل واقفا متسمرا حتى غادرت ولم تظهر .. من هي وما قصتها معه ومع الطفل وهل ستظهر … حكاية أخرى من الحكايات الضائعة وسط الممرات.

امتلئ المكان ضجيجا وعاد الحرس للصراخ علينا ونهرنا… “سكر فمك انت وياه وبطلوا حس “..
التفت كل منا لحاله إلا السيدتين المتقابلتين ظلتا على حالهن يتبادلن الحديث والشكوى والسؤال والنصائح … “شكيتي فيه ؟ جبتي تقرير ؟ صغارك شهدوا معاك ولا معاه … خيرك ساكتة لتوا …” سؤال يقود لإجابة.. وإجابة تفتح الباب لسؤال وحديث عن حياتهن وتفاصيلها… اشتركنا فيه بكل حواسنا معهن …اقلقني وجود أطفال إحداهن بيننا وأزعجني ارغامهم على المشاركة في كل هذا القبح بين والديهم.
تسارع النهار واقترب الدوام من نهايته… مازلنا جالسين حين دفعت بها أمامها بعنف ظاهر … سيدتين بل قل فتاتين لا تختلفان كثيرا يعتريهن الانكسار.. حرصت الأولى على إظهار قوة وإثبات سلطة على الأخرى ليتضح بأنهن سجينة وسجانة… لاحظت ذلك من ملابسهن… أهملهن الجميع بلا تفرقة…للنهار بقية

شاهد أيضاً

المستشفيات المقابر

 د.علي المبروك ابوقرين لأكثر من 200 يوم وجيوش المحتل الصهيوني مدعومة بالدول الغربية وعلى رأسهم …