منصة الصباح

سـيدي خـليفـة

حـديـث الثـلاثــاء

مفتاح قناو

 

 

في ستينيات القرن العشرين كان شارع سيدي خليفة في طرابلس هو مركز محلة ” شارع البي ” تلك التسمية التي ارتبطت في ذهنه مند الصغر بما يسمعه من عبارات تمجيد وتعظيم لبعض الناس، فيقال عن ذلك الرجل الوجيه في المجتمع انه ألبي فلان، وأدرك بعد أن زاد وعيه وعمره قليلا بان هذا اللقب هو من بقايا الألقاب العثمانية التي ما زالت متداولة حتى بعد زوال سلطان دولة بني عثمان من التاريخ.

لم يكن يعرف في البداية سبب تسمية المحلة بهذا الاسم الغريب هذه المحلة التي تمتد  حدودها من محلة شارع الزاوية شرقا حتى تصل غربا إلى ميدان أبي هريدة، ولا يعرف من هو “البي” المقصود بالتسمية ، لكن أحاديث ميلود الزاوي وبعض كبار السن الذين كانوا يلتقون أمام دكانه في الأمسيات الصيفية بزنقة حمامة، أطول أزقة المحلة وأكثرها حركة، جعلته يلتقط وهو صغير يلعب بين الأزقة والبساتين السبب في هذه التسمية، انه يرجع إلى ذلك ألبي الكبير صاحب ذلك البناء الضخم الذي طالما شغل تفكيره واحتار لضخامته وفخامته مقارنة بباقي بيوت المحلة، والذي يقع في منتصف شارع سيدي خليفة، الشارع  المعبد الوحيد في المحلة، انه القصر الذي بناه وسكنه الوالي الايطالي الكونت فولبي ثم اتخذت منه ابنته التي تحمل أيضا لقب كونتيسا مسكنا خاصا بها لذلك اشتهر عند العامة باسم قصر الكونتيسا.

في مطلع ستينيات القرن العشرين كانت تختلط في محلة شارع البي مظاهر حياة المدينة مع مظاهر حياة الريف، فقد كان الكثير من سكان المحلة من الوافدين الجدد على المدينة من الريف، طلبا لسبل العيش وهروبا من ظروف معيشية صعبة تضافرت في صنعها عوامل الحرب العالمية الثانية مع سنوات الجفاف المتواصلة التي أعقبت نهاية الحرب، وحالة عدم الاستقرار خلال مرحلة الانتداب البريطاني، ثم محاولات الدول الاستعمارية القديمة العودة لحكم البلاد من جديد، لكن الدول المتنافسة وجدت أن أفضل الحلول هو منح هذه البلاد استقلالها مع المناورة للعودة من طريق أخر.

طبيعة المحلة من الداخل كانت ريفية إلى حد كبير حيث توجد بعض بقايا المزارع القديمة و البساتين الصغيرة يتناثر فيها الكثير من أشجار الزيتون والنخيل والرمان والبرتقال، وقد صار اغلب سكان المحلة ــ بسبب الهجرة ــ من أهل الريف، لكن السكان الأقدم في المحلة يتباهون بأنهم أكثر تمدنا وتحضرا من القادمين الجدد حتى أن بعضهم ــ دون وعي ــ ينسبون أصولهم لذات المكان.

سنوات قليلة مرت على إعلان الاستقلال ، وقد تغيرت الكثير من مظاهر الحياة في المحلة ، بيتهم القديم في المحلة الذي ولد فيه، قد بناه جده في سنوات الاستقلال الأولى على النمط المحلي ، فناء واسع مفتوح للسماء تفتح فيه كل الأبواب ، الحجرات الأربعة والمطبخ والحمام ، وتضلل الفناء دالية العنب الكبيرة التي تعطي عنبا حلو المذاق كبيرا بحجم البلح، عند الخروج من البيت يمر الخارج منه بردهة واسعة على يمين البيت تسمى السقيفة توجد بها (المربوعة) وهي مكان اجتماع رجال البيت وضيوفهم، عند مغادرة البيت يصل الخارج من البيت إلى الزقاق الطويل المعروف بزنقة حمامة حيث دكان ميلود الزاوي.

يتـبـع

شاهد أيضاً

أيام‭ ‬الصحافة‭ ‬ 

  فتحية الجديدي سؤال‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية‭ ‬وجب‭ ‬طرحه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬لأسباب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ …