منصة الصباح

حين‭ ‬بكى‭ ‬وزير‭ ‬التعليم‭ ‬

نقطة بيضاء

بقلم / د.‬ ابولقاسم‭ ‬صميدة

لم‭ ‬يكن‭ ‬الامر‭ ‬مزحة‭ ‬يتندر‭ ‬بها‭ ‬رواد‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعى‭ ‬على‭ ‬رجل‭ ‬حاول‭ ‬ان‭ ‬يفعل‭ ‬شيئاً‭ ‬رآه‭ ‬صائباً‭ ‬ورآه‭ ‬غيره‭ ‬نقيض‭ ‬ذلك‭ ‬،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬بكاؤه‭ ‬لضيم‭ ‬شخصى‭ ‬يكابده‭ ‬منفرداً‭ ‬يستحق‭ ‬عليه‭ ‬التعاطف‭ ‬والمؤازرة‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬بكاءً‭ ‬مريرا‭ ‬له‭ ‬دوافعه‭ ‬الاخلاقية‭ ‬وله‭ ‬أسباب‭ ‬منطقيه‭ ‬،‭ ‬والحق‭ ‬يٌقال‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬يدعو‭ ‬لمناحة‭ ‬جنائزية‭ ‬تليق‭ ‬بسقوط‭ ‬مخيف‭ ‬لأجيال‭ ‬يتم‭ ‬تجهيلها‭ ‬بقصد‭ ‬وبدون‭ ‬قصد‭ ‬فى‭ ‬لحظة‭ ‬فارقة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬وطننا‭ ‬،‭ ‬فالنتيجة‭ ‬واحدة‭ ‬،‭ ‬فحين‭ ‬اعلن‭ ‬الرجل‭ ‬ان‭ ‬نسبة‭ ( ‬تخطى‭ ) ‬المدرسين‭ ‬لفحص‭ ‬تعليمى‭ ‬فى‭ ‬المواد‭ ‬التى‭ ‬يقومون‭ ‬بتدريسها‭ ‬للتلاميذ‭ ‬لم‭ ‬تتجاوز‭ ‬فى‭ ‬بعضها‭ ‬الخمسة‭ ‬فى‭ ‬المائة‭ ‬،‭ ‬كان‭ ‬الامر‭ ‬مدعاة‭ ‬للبكاء‭ ‬الجماعى‭ ‬والنحيب‭ ‬والفزع‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أولياء‭ ‬الامور‭ ‬،‭ ‬ومن‭ ‬قِبل‭ ‬من‭ ‬تهمه‭ ‬الاجيال‭ ‬ويهمه‭ ‬مستقبل‭ ‬أبنائه‭ ‬ووطنه‭ ‬،‭ ‬لقد‭ ‬تم‭ ‬إقالة‭ ‬او‭ ‬قبول‭ ‬استقالة‭ ‬وزير‭ ‬التعليم‭ ‬ولا‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬الإقالة‭ ‬والاستقالة‭ ‬فالمحصّلة‭ ‬واحدة‭ ‬،‭ ‬ولكنها‭ ‬جاءت‭ ‬بسبب‭ ‬اختلف‭ ‬البعض‭ ‬حوله‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬دوافعه‭ ‬الخاصة‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬له‭ ‬رؤية‭ ‬مخالفة‭ ‬،‭ ‬وبعدها‭ ‬تحدث‭ ‬الرجل‭ ‬بحسرة‭ ‬الى‭ ‬درجة‭ ‬البكاء‭ ‬ولا‭ ‬نعتقد‭ ‬انه‭ ‬انفعل‭ ‬عاطفيا‭ ‬لتركه‭ ‬المنصب‭ ‬كما‭ ‬يتصور‭ ‬البعض‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬نعتقد‭ ‬انه‭ ‬شعر‭ ‬بأنه‭ ‬طٌعن‭ ‬فى‭ ‬قلبه‭ ‬وفى‭ ‬أهدافه‭ ‬،‭ ‬وحِيل‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬ما‭ ‬أراد‭ ‬فعله‭ ‬،‭ ‬لأنه‭ ‬يدرك‭ ‬ان‭ ‬التعليم‭ ‬مهمة‭ ‬شاقة‭ ‬وعظيمة‭ ‬والتعليم‭ ‬يحتاج‭ ‬لقرارات‭ ‬شجاعة‭ ‬وصبر‭ ‬،‭ ‬والامم‭ ‬تنهض‭ ‬بالعلم‭ ‬،‭ ‬فالتعليم‭ ‬امر‭ ‬اساسى‭ ‬،‭ ‬وليس‭ ‬مصدر‭ ‬رزق‭ ‬وهو‭ ‬رسالة‭ ‬وليس‭ ‬وظيفة‭ ‬،‭ ‬فالسلام‭ ‬يصنعه‭ ‬المتعلمون‭ ‬لا‭ ‬الجهلاء‭ ‬،‭ ‬والحوار‭ ‬يثريه‭ ‬العلم‭ ‬لا‭ ‬الجهل‭ ‬،‭ ‬والتنمية‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬جيل‭ ‬تعلم‭ ‬على‭ ‬قواعد‭ ‬صحيحه‭ ‬،‭ ‬والهندسه‭ ‬ينجزها‭ ‬عباقرة‭ ‬شربوا‭ ‬فنون‭ ‬القياس‭ ‬والدقة‭ ‬والخيال‭ ‬،‭ ‬والعمليات‭ ‬الجراحية‭ ‬يخاطر‭ ‬بها‭ ‬اشخاص‭ ‬تلقوا‭ ‬علوما‭ ‬حقيقية‭ ‬،‭ ‬والشهادات‭ ‬العالية‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬ورقة‭ ‬تشترى‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬او‭ ‬هناك‭ ‬ويتم‭ ‬تقديمها‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬وظيفية‭ ‬او‭ ‬لقب‭ ‬يبحث‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬فقد‭ ‬نفسه‭ ‬وسار‭ ‬خلف‭ ‬بهرجة‭ ‬الألقاب‭ ‬والاحترام‭ ‬الذى‭ ‬يفتقده‭ ‬،‭ ‬فالتعليم‭ ‬والحرص‭ ‬عليه‭ ‬هدف‭ ‬سأم‭ ‬يستحق‭ ‬جهدا‭ ‬وعرقا‭ ‬ودموعاً‭ ‬وبكاءً‭ ‬،‭ ‬ومع‭ ‬انى‭ ‬لا‭ ‬اعرف‭ ‬الرجل‭ ‬ولم‭ ‬التقه‭ ‬،‭ ‬لكنى‭ ‬أكن‭ ‬له‭ ‬تقديرا‭ ‬كبيراً‭ ‬يليق‭ ‬بالموقف‭ ‬الذى‭ ‬تمسك‭ ‬به‭ ‬،‭ ‬وهنا‭ ‬يأتى‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬شخص‭ ‬خٌيّر‭ ‬بين‭ ‬ان‭ ‬يبقى‭ ‬بلا‭ ‬هدف‭ ‬،‭ ‬وآخر‭ ‬متمسك‭ ‬بموقعه‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يٌقّدم‭ ‬شيئا‭ ‬للمجتمع‭ ‬،‭ ‬ولنا‭ ‬فى‭ ‬مسؤولي‭ ‬ليبيا‭ ‬مثالا‭ ‬واضحا‭ ‬،‭ ‬مسؤولون‭ ‬أتى‭ ‬بهم‭ ‬القدر‭ ‬ولم‭ ‬يفعلوا‭ ‬شيئاً‭ ‬سوى‭ ‬التمسك‭ ‬بمواقعهم‭ ‬ومكاتبهم‭ ‬وأسفارهم‭ ‬وكإنها‭ ‬إرث‭ ‬مقّدس‭ ‬،‭ ‬متناسين‭ ‬ان‭ ‬الناس‭ ‬ستلعنهم‭ ‬احياء‭ ‬وامواتا‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬يمر‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يفعلوا‭ ‬شيئاً‭ ‬لمصلحة‭ ‬الوطن‭ ..‬

شاهد أيضاً

عيد الوحدة الوطنية

مفتاح قناو في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي كنا طلابا في المدارس الابتدائية، وكان …