منصة الصباح

حتى لا نظل أسرى ثقافة الخوف!

بقلم / فوزي البشتي

لــم يحــدث أن شــاع مــن قبــل اســتخدام مفهــوم الصحافــة الصفــراء فــي الوطــن العربــي تخاطــب الغرائــز وتتوســع فــي نشــر الفضائــح، ولا تعتمــد الدقــة والأمانة فيمــا تنشــره مــن أحــداث وقصــص ولاتضــع حــدودا لمــا يمثــل اجتــراء علــى  الأخلاق والآداب  ومــا  يمكــن  ان  ينطــوى  عليــه  ذلــك  مــن تشــهير  . وقريبــا  منهــا  تلــك  الاعمــال  الفنيــة الســافرة والكتابــات الادبيــة المكشــوفة التــي يــرى بعــض الادبــاء والروائيــون أن حريــة الابــداع لا تكتمل إذا فرضــت القيــود علــى مــا تجــود بــه أحلامهم ورواهــم ســواء فــي الفنــون التشــكيلية أو الفنــون الادبيــة ،وبالمنطــق نفســه ينســحب الاعتــراض على المؤلفــات والمصنفــات التــي تخالــف الــرأي الســائد فــي شــؤون القيــادة والديــن والفكــر ومــا يمكــن ان يفتــح البــاب للشــكوك والشــبهات التــي يمكــن ان تزلــزل العقائــد لــدى العامــة وتولــد الفتــن . فكلهــا كتابــات  صفــراء  لايطيقهــا  المجتمــع  ولايتســامح فيهــا .

هــذه هــي الحالــة الســائدة فــي المجتمــع العربــي اليــوم  ..  تتســاوى  فيهــا  المجتمعــات  الليبراليــة والمحافظــة الغنيــة والفقيــرة أهــل الحضــر واهــل المــدر .. لافــرق ولايــكاد يمــر اســبوع دون أن تنفجــر ازمــة تقافيــة هنــا وهنــاك ســرعان مــا تنقلــب إلــى أزمــة سياســية يفرضهــا منطــق الخــوف او ثقافــة الخــوف حيــث تســعى الســلطة إلــى فــرض معاييرهــا بوســائل تتراوح بين التعســف في اســتخدام القانون فــي افضــل الاحــوال أو اللجــوء إلــى البطــش والعنــف والتخويــف الــذي ينتهــي إلــى المنع والحظــر والإبادة فــي اســوئها .

فــي مرحلــة التصــدع الفكــري والثقافــي التــي تعيشــها الأمــة العربيــة حاليــا ذهــب البعــض الــي القــول بــان انتشــار الكتابــات الصفــراء .. وغيــاب الثقافــات  الرهينــة  مرجعــة  إلــى  أن  الدولــة  فــي عديــد مــن المجتمعــات العربيــة رفعــت يدهــا أو انســحبت تدريجيــا مــن ادارة المجتمــع اقتصاديــا أو وثقافيــا وانــه فــي ظــل التعدديــة السياســية اجتماعيا والديمقراطيــة المظهريــة لــم تعــد الدولــة تمــارس ســلطانها على العقول والأذواق والســلوكيات .. وهي كذبــة كبيــرة لأن غيــاب ثقــة المجتمعــات العربيــة في هــو مؤسســاتها وعلــى رأســها المؤسســة الإعلامية

الــذي فتــح الطريــق أمــام الصحافــة الصفــراء لمــلء الفــراغ  الإعلامــي  ذلــك  أن  الصحافــة  الصفــراء نجحــت فــي ان تقيــم اتفــاق عــدم اعتــداء غيــر معلــن مــع الســلطة الحاكمــة ، وهــو الــذي مكنهــا مــن أن تختلــي بقرائهــا ، فراحــت تمــلأ الفــراغ الإعلامي بــكل مــا هــو رخيــص وتافــه مــن حديــث الفضائــح والخرافــة ونفــاق العواطــف وفــي مثــل هــذه الأجواء التــي تتحــدث فيهــا مهمــة الإعلام ، إما بإخفاء المشــروعية والتقديــس علــى الســلطة أو بكونــه أداة للترفيــه والترويــح عــن النفــس وتنمــو الصحافــة الصفــراء نمــوا عشــوائيا غيــر محكــوم وغيــر نافــع لأية معاييــر فتتحــول دون أن يــدري أحــد إلى أداة لإشاعة التعصــب والعصبيــة والعنصريــة ونزعــات الكراهيــة  مســتخدمة  فــي  ذلــك  احــدث  تقنيــات الطباعــة والتصويــر وأساليب الصحافــة الحديثــة وهكــذا تكتمــل الدائــرة .. فــراغ إعلامــي ناجــم عــن ســيطرة ثقافــة الخــوف حتــى اذا انفجــر الموقــف واختلطــت الأمور أصبح المنــع الشــامل والتفتيــش علــى العقــول والضمائــر هــو أسهل الطرق لاســتعادة زمــام الموقــف وضاعــت فــي الزحمــة كل الحــدود الفاصلــة  بيــن  الإبــداع  الحقيقــي  والإباحيــة  بيــن الابتــكار والتجديــد وبيــن التبــذل والإثــارة ويصبــح الصمــت هــو الطريــق الآمــن الوحيــد .

شاهد أيضاً

الطب الأعمى

في العقدين الأخيرين حدث تطور تقني وتكنولوجي طبي كبير، ساهم في إبصار الطب، وأصبح التشخيص …