منصة الصباح

تفاحة البرلمان

الكتاب الذي بين ايدينا من سلسلة كتاب مجلة المستقل الصادرة بالقاهرة  كان عبارة عن مجموعة قصصية تحت عنوان ( تفاحة البرلمان ) ـ وهو اسم أحدى قصص المجموعة ـ  للقاص والصحفي الليبي عبد الرحمن سلامة والذي جاء في 115 صفحة من القطع المتوسط .

وهي المجموعة القصصية الثانية له بعد صدور مجموعته الاولى ( من أين تؤكل الكتف ) سنة 2009 .

احتوت المجموعة على خمسين قصة متنوعة توزعت بين قصص قصيرة وقصص قصيرة جدا واقصوصات وومضات قصصية ..

وقد قدم لهذه المجموعة القصصية القاص والشاعر الليبي جمعة الفاخري والذي صاغ مقدمة فنية ولغوية جميلة لمجموعة قصص تفاحة البرلمان لم تخلو من طابع نقدي نقتبس منها هذا المقطع « والقاص يقدم قصصه بلغة سهلة لا تتفيهق على متلقيها ، ولا تستعير لها أسمال الفلسفة ، فهي لغة مباشرة تمضي إلى فهم المتلقي دون التواء ، ولا كثير عناء . يتكئ سلامة في جل قصصه على السخرية التي يجيدها ليمنح قصصه خواتيم شائقة ، فيحكم بسخريته مختتمات قصصه ، في نهايات مفاجئة مدوية ، فتظهر جلية مفارقاته العذبة المدهشة ، وفي مراوغاته وهو يقترح قفلاته المتقنة ، فيضفي على نهاياته دهشة ناعمة يسربها إلى ذائقة المتلقي بهدوء حميم ، دون صخب مدو ، باعثا الانفعال المشتهى في نفس قارئه ، مثيرا أعماقه ، مفتتنا وجدانه . لذا كانت جل قصصه تتوشى بنهايات لامعة ، وتتوشح بسخرية صارخة تسكب في أعماق متلقيها دهشة وابهار ص9 .

لعل مقدمة الكاتب جمعة الفاخري ألمت بالكثير من جوانب هذه المجموعة القصصية وهو القاص المخضرم والمتمرس والمتخصص في كتابة المقدمات للكثير من الكتاب الليبيين مما يجعل الكتابة على مجموعة تفاحة البرلمان صعبا ، خوفا من الوقوع في تكرار ماجاء في التقديم خاصة وان المجموعة رغم احتوائها على خمسين قصة الا انها لا تأخذ الكثير من الوقت للقراءة وليس هناك من كثير يمكن أن يقال عنها إلا أننا سنحاول هنا أن نلتقط بعض الاشارات ونتلمس بعض الافكار والرؤى الذي حاول عبد الرحمن سلامة طرحها من خلال مجموعة القصص الذي احتوتها المجموعة وتظل هذه الاطلالة على هذه المجموعة قراءة خاصة قابلة للنقاش .

نلاحظ من خلال قراءتنا للمجموعة أن القاص عبدالرحمن سلامة أشتغل على أن تكون اغلب قصصه تدور خارج الزمان والمكان فلا توجد فيها تاريخ محدد او حدث واضح ومعلوم يمكن الاستناد أليه لتحديد زمن الحدوث وكذلك لا يوجد ذكر لمكان محدد الا مرة واحدة في قصة ( السروال ) ذكرت فيها مدينة طبرق كرد عن سؤال : هل انت غريب من هذه المنطقة ؟ وحتى هنا كان يمكن الاستغناء عن هذا التحديد المكاني فكون الرد جاء : نعم أنا من طبرق .. لم يكن مؤثرا في احداث القصة .. هذا الاستغناء عن زمكانية القصص يبدو لي انه كان مقصودا من القاص كونه استعاض عن ذلك بالتركيز على المفارقات اللغوية وعلى النهايات الصادمة للقصص وجعل الكثير من القصص محملة بقيم وافكار وروئ وتصورات مثالية تدعو لها القصص بشكل شبه مباشر حيث يشير الكاتب كثيرا الى مجموعة من الظواهر السلبية للفلت النظر الى مايجب أن يكون ..

ورغم ذلك لم يستطيع عبدالرحمن سلامة أن يتنصل من محيطه فنستطيع ببعض التمعن ان نكتشف ان المجموعة القصصية تتحدث عن ليبيا والمجتمع الليبي بل ونستكهن أيضا انها تتناول ليبيا في الاربعة أعوام الأخيرة وتظهر بعض الاحالات على خصوصية الحالة الليبية ـ خاصة في السنوات الاربع الاخيرة  ـ في قصص مثل ( الكرسي ، مرشح ، الشعلة ، جوع ، سجين ، القلم الاسود ،حبر،شمروخ ، تربص ، فاطمة ، هول ، مشاهدة ، قائمة ، خريف ،وغيرها )

هذه الاحالات لخصوصية الحالة الليبية حاول الكاتب اخفائها في اطار من العمومية والشمولية لا يمكن لك اكتشافها عند الاطلاع على قصة واحدة او اثنين من المجموعة بل تستشفها من خلال قراءة المجموعة كاملة بداية من عنوانها ( تفاحة البرلمان ) فثقافة البرلمان تعتبر فكرة جديدة على المجتمع الليبي لم يتعرف على ممارستها الا مؤخرا لذلك شاب هذه الفكرة الكثير من الممارسات الخاطئة واكتشف الليبييون ان فيها الكثير من الثغرات التي لا تتماشى مع مجتمعهم وعقليتهم رغم انها قدمت لهم كحل مثالي وجميل لكل اشكاليات الوضع الليبي فعمد القاص باسلوبه شبه ساخر الى اظهار هذه المفارقة في هذه التجربة وما واكبها من إساءة استخدام الفكرة .. وكان النصيب الاكبر من السخرية من نصيب المرشحين والطامعين في عضوية البرلمان والباحثين عن المناصب والكراسي الواصلين اليها على احلام الناس واحتياجاتهم ..  فقصص كثيرة من المجموعة كان البرلمان بطلا رئيسيا فيها مثل : ( الكرسي ، مرشح ، حبر ، طيف ، ناكر ، تكليف ، من الحبة قبة ، رصيد ، موت ، مسئول ، تفاحة البرلمان ).

غمس اصابعه في حبر الانتخابات ..

أختار أحد المرشحين ..

فظل ينزف حتى مااااااااات .

(حبر) ص33 .

لم تخلوا المجموعة من بعض الالتقاطات لمواقف انسانية وقيم جمالية راقية ومواقف اخرى غير انسانية او اخلاقية بالمرة رصدها القاص ورأى انها جديرة بالتوثيق والاشارة اليها .وحاول ابرازها من خلال التضاد والمفارقة .. وهو دور مهم يلعبه الادب في اعادة تهذيب نفوسنا وهنا اقول ان عبدالرحمن سلامة أعطى هذا الجانب الكثير من أهتمامه في هذه المجموعة ولم يكن حياديا بالمرة .. بل منحازا بالكامل الى قيم الجمال والانسانية والصدق والوفاء ، ومشبعا بالاحلام وررافضا للكثير من الظواهر والسلبيات التي اجتاحت مجتمعه ..

« توسطهم ببطنه المنفوخة التي اعاقت جلسته باعتدال ، صافحوه وهو مضطجع على جنبه الايسر ، تهكم على الجميع كعادته ، صفعه صبي فقير عندما أعطاه درسا في الاخلاق .» ( مقلب ) ص 57 .

ومايميز المجموعة ان القاص عبدالرحمن سلامة تمسك بابجديات القصة القصيرة ( البداية ، العقدة ، الخاتمة ) ـ وهو ما اشار اليه جمعة الفاخري في مقدمته ـ دون ان يقع في مطب التنظير والخطابة لذلك جاءت قصصه شيقة خالية من الملل خفيفة على المتلقى تلمش شغاف روحه بسلاسة وتخاطب عقله برفق ، لتترك بصمتها بخفة وتمضي انت معتقدا انها لم تترك أثرا فيك ولكنها تحفر عميقا في داخلك وبكل نعومة .

في الختام اجدني متفقا مع ماكتبه القاص جمعة الفاخري في مقدمته كون ان عبد الرحمن سلامة لم يأتي بجديد على سبيل التجريب أو الابتكار القصصي المختلف .. ألا أنني أضيف أن سلامة لم يكن يبحث عن ابتكار جديد او براءة اختراع في هذه المجموعة بقدر ما كان يعاني من خيبة آمل في الواقع ويبحث عن احلام رومانسية في مستقبل مجهول ، واتفق معه ايضا ان الصحفي في داخل عبدالرحمن سلامة القى بظلاله على القاص حيث قام بدوره في تعرية المجتمع ونقده ولكن دون أن يخون روح القاص وثقافته ..

وتبقى المجموعة القصصية ( تفاحة البرلمان ) أضافة الى مكتبة الادب الليبي في القصة القصيرة وهو صنف من الادب أرى شخصيا أنه من آهم وأنجح صنوف الادب في ليبيا واكثرها تطورا مقارنة بالرواية والشعر مثلا وان ليبيا زاخرة بقصاصين كبار ولكنهم لم ينالوا حظهم من الاضواء بعد .. رغم أنهم وضعوا أقدامهم على الطريق وسيصلون قريبا كالقاص أحمد يوسف عقيلة وعمر الككلي وجمعة الفاخري والصديق بودوارة ومحمد المسلاتي وغيرهم ..

شاهد أيضاً

تكالة يلتقي مساء السبت بعبدالله باتيلي وستيفاني خوري

  الصباح التقى رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، المبعوث الأممي السابق عبد الله باتيلي، …