منصة الصباح

الوعـــي‭ ‬والمعنــــى

عمق
بقلم /علي‭ ‬المقرحي
ليس‭ ‬من‭ ‬المقبول‭ ‬للعقل،‭ ‬ولا‭ ‬يوافق‭ ‬سواء‭ ‬التفكير،‭ ‬مثلما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬عند‭ ‬التأمل‭ ‬في‭ ‬الوعي‭ ‬كموضوع،‭ ‬ولا‭ ‬التطرق‭ ‬اليه‭ ‬في‭ ‬حوار،‭ ‬دون‭ ‬إيلا‭ ‬‮«‬‭ ‬المعنى‭ ‬‮«‬‭ ‬قدراً‭ ‬من‭ ‬الاهتمام،‭ ‬ربما‭ ‬فاق‭ ‬ما‭ ‬يحتاج‭ ‬إليه‭ ‬ويستحقه‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬والأفكار‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الاهتمام،‭ ‬وإلّا‭ ‬فسيكون‭ ‬الوعي‭ ‬نفسه‭ ‬مهدَّداً‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينتهي‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يناقضه‭ ‬من‭ ‬غياب‭ ‬الوعي‭ ‬والافتقار‭ ‬إليه،‭ ‬وعرضة‭ ‬للتردي‭ ‬في‭ ‬وهدة‭ ‬التهافت‭ ‬والابتذال،‭ ‬ومرد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬دون‭ (‬المعنى‭ ) ‬معرفة‭ ‬دلالة‭ ‬الافكار‭ ‬والمفاهيم‭ ‬والأشياء،‭ ‬فالمعنى‭ ‬هو‭ ‬الامكانية‭ ‬المتاحة‭ ‬للوعي‭ ‬لاستيعاب‭ ‬ما‭ ‬يعرض‭ ‬له‭ ‬ويتطرق‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬موضوعات،‭ ‬والاحاطة‭ ‬بها‭ ‬والتعبير‭ ‬عنها،‭ ‬وقد‭ ‬يمكن‭ ‬تناول‭ ‬الوعي‭ ‬في‭ ‬ذاته‭ ‬كموضوع،‭ ‬ويمكن‭ ‬للوعي‭ ‬أن‭ ‬يتطرق‭ ‬لموضوع‭ ‬ما‭ ‬دون‭ ‬تسمية‭ ( ‬المعنى‭ ) ‬حرفياً‭ ‬أو‭ ‬ذكره‭ ‬مباشرة‭ ‬كضالة‭ ‬وهدف‭ ‬لذلك‭ ‬التطرق،‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عنصراً‭ ‬هاما‭ ‬بل‭ ‬ومحورا‭ ‬ضمنياً‭ ‬لذلك‭ ‬التطرق،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يستوي‭ ‬الزعم‭ ‬تحقق‭ ‬وعي‭ ‬حقيقي‭ ‬وجدير‭ ‬بالاعتبار‭ ‬إلّا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬المعنى‭ ‬محور‭ ‬اهتمامه‭ ‬وغايته‭ ‬القصوى‭ .‬
وفي‭ ‬الواقع‭ ‬تبدو‭ ‬حاجة‭ ‬الانسان‭ ‬إلى‭ (‬المعنى‭) ‬فطرية‭ ‬ولا‭ ‬تقل‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬حاجاته‭ ‬العضوية‭ ‬المباشرة‭ ‬كالحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الأكل‭ ‬والشرب‭ ‬والنوم،‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬قواسم‭ ‬مشتركة‭ ‬بين‭ ‬الانسان‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬الكائنات‭ ‬الحية،‭ ‬مع‭ ‬وجوب‭ ‬ملاحظة‭ ‬تعذُرَ‭ ‬أن‭ ‬تستوعب‭ ‬تلك‭ ‬القواسم‭ ‬المشتركة‭ ‬ما‭ ‬يجاوز‭ ‬وظائفها‭ ‬المباشرة‭ ‬من‭ ‬دلالات،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬إمكانية‭ ‬أن‭ ‬يستوعب‭ ‬المعنى‭ ‬الانسان‭ ‬نفسه‭ ‬وعالمه‭ ‬وحاجاته‭ ‬بمجملها‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬مابينه‭ ‬وبين‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬قواسم‭ ‬مشتركة،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يضفي‭ ‬على‭ ‬المعنى‭ ‬أهمية‭ ‬تفوق‭ ‬أهمية‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬عداه،‭ ‬فالمعنى‭ ‬بهذا‭ ‬المعنى‭ ‬خاصية‭ ‬إنسانية‭ ‬بامتياز‭ .‬
حتى‭ ‬أن‭ ‬بمقدورنا‭ ‬القول‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نخشى‭ ‬مجانبة‭ ‬الصواب،‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬النظر‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬واقعية‭ ‬كفيل‭ ‬بأن‭ ‬يظهرنا‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬أنه‭ ‬فيما‭ ‬تبدو‭ ‬حياة‭ ‬الكائنات‭ ‬الحية‭ ‬‮«‬‭ ‬والانسان‭ ‬ككائن‭ ‬عضوي‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬‮«‬‭ ‬متمحورة‭ ‬حول‭ ‬حاجاتها‭ ‬المعيشية‭ ‬اليومية‭ ‬المباشرة،‭ ‬بحيث‭ ‬لاتجاوز‭ ‬حدود‭ ‬العيش‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬الاستهلاك‭ ‬والمفضي‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬الهلاك،‭ ‬فإن‭ ‬الإنسان‭ ‬‮«‬‭ ‬بالوعي،‭ ‬وعيه‭ ‬بالمعنى‭ ‬‮«‬‭ ‬قادر‭ ‬دون‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬موجودات‭ ‬عالمه‭ ‬على‭ ‬الإنفلات‭ ‬من‭ ‬أسر‭ ‬الراهن‭ ‬‮«‬‭ ‬هنا‭ / ‬الآن‭ ‬‮«‬‭ ‬والتحرر‭ ‬من‭ ‬رتابة‭ ‬الحضور‭ ‬المباشر،‭ ‬وعلى‭ ‬تحقيق‭ ‬وجود‭ ‬محوره‭ ‬المعنى،‭ ‬وجود‭ ‬يضطرد‭ ‬تحققه‭ ‬باضطراد‭ ‬تماسه‭ ‬مع‭ ‬المعنى‭ ‬وامتزاجه‭ ‬به‭ ‬حد‭ ‬التوحد‭ ‬الذي‭ ‬يتخلل‭ ‬نسيج‭ ‬ذلك‭ ‬الوجود‭ ‬ويصبغ‭ ‬الحياة‭ ‬بصبغته‭ .‬
إن‭ ‬كلاً‭ ‬من‭ ‬جوع‭ ‬الانسان‭ ‬وشبعه‭ ‬ظمأه‭ ‬وارتواءه‭ ‬تعبه‭ ‬وراحته‭ ‬فرحه‭ ‬وحزنه،‭ ‬كل‭ ‬حالاته‭ ‬خواطره‭ ‬وأحاسيسه‭ ‬وخلجات‭ ‬نفسه،‭ ‬أفكاره‭ ‬واهتماماته‭ ‬مشاغله‭ ‬وهمومه،‭ ‬وكل‭ ‬شأن‭ ‬من‭ ‬شؤونه،‭ ‬تشكل‭ ‬عقداً‭ ‬ينتظمه‭ ‬خيط‭ ‬المعنى،‭ ‬حد‭ ‬أننا‭ ‬عندما‭ ‬نصف‭ ‬شيئاً‭ ‬أو‭ ‬أمراً‭ ‬ما‭ ‬بأنه‭ ‬بلا‭ ‬معنى‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬قولنا‭ ‬دون‭ ‬معنى،‭ ‬بل‭ ‬له‭ ‬دلالة‭ ‬معيارية،‭ ‬تفيد‭ ‬انتفاء‭ ‬القيمة‭ ‬عما‭ ‬انعدم‭ ‬معناه،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لوعي‭ ‬يقظِ‭ ‬برحابة‭ ‬وعمق‭ ‬الوجود‭ ‬أن‭ ‬يغفل‭ ‬عن‭ ‬التضارب‭ ‬والتناقض‭ ‬في‭ ‬القول‭ ‬بانعدام‭ ‬مطلق‭ ‬للمعنى‭ ‬أو‭ ‬انتفاء‭ ‬كامل‭ ‬للقيمة‭ ‬عن‭ ‬موجود‭ ‬من‭ ‬الموجودات‭ ‬مهما‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬تواضع‭ ‬أو‭ ‬تدني‭ ‬مكانته‭ ‬في‭ ‬سلم‭ ‬الوجود‭ ‬ومراتب‭ ‬الموجودات،‭ ‬فتأسيساً‭ ‬على‭ ‬عمقه‭ ‬ورحابته‭ ‬يستوعب‭ ‬الوجود‭ ‬حتى‭ ‬العدم‭ ‬نفسه،‭ ‬وإن‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬المستمرإ‭ ‬والمعتاد‭ ‬اعتبار‭ ‬الموت‭ ‬العضوي‭ ‬الذي‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬الدثور‭ ‬والعدم،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يتفق‭ ‬لوعي‭ ‬قاصر‭ ‬وأفق‭ ‬ضيق‭ ‬ألّا‭ ‬يرى‭ ‬العدم‭ ‬فيما‭ ‬يجاوز‭ ‬ذلك‭ ‬الحد،‭ ‬وذلك‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقف‭ ‬عليه‭ ‬وعي‭ ‬منفلت‭ ‬من‭ ‬أسر‭ ‬المباشر‭ ‬من‭ ‬فهم‭ ‬ومن‭ ‬مواضعات‭ ‬مبتذلة‭ ‬ما‭ ‬أنزل‭ ‬الله‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬سلطان،‭ ‬ولا‭ ‬يعجزه‭ ‬أن‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬ضالته‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يتوقع‭ ‬وعي‭ ‬قاصر‭ ‬كونها،‭ ‬كأن‭ ‬يسخلص‭ ‬معنىٓ‭ ‬للموت‭ ‬ودون‭ ‬ذكر‭ ‬للموت‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬قول‭ ‬الخالق‭ ‬تعالى‭ ‬‮«‬‭ ‬أَرَأَيْتَ‭ ‬مَنِ‭ ‬اتَّخَذَ‭ ‬إِلَٰهَهُ‭ ‬هَوَاهُ‭ ‬أَفَأَنْتَ‭ ‬تَكُونُ‭ ‬عَلَيْهِ‭ ‬وَكِيلًا‭ (‬43‭) ‬أَمْ‭ ‬تَحْسَبُ‭ ‬أَنَّ‭ ‬أَكْثَرَهُمْ‭ ‬يَسْمَعُونَ‭ ‬أَوْ‭ ‬يَعْقِلُونَ‭ ‬ۚ‭ ‬إِنْ‭ ‬هُمْ‭ ‬إِلَّا‭ ‬كَالْأَنْعَامِ‭ ‬ۖ‭ ‬بَلْ‭ ‬هُمْ‭ ‬أَضَلُّ‭ ‬سَبِيلًا‮»‬

شاهد أيضاً

موسى يؤكد ضرورة سرعة ودقة إدخال بيانات الحجاج للمنظومة الإلكترونية

أكد منسق المنطقة الوسطى أ (مصراتة – زليتن – الخمس – مسلاتة) علي محمد موسى …