منصة الصباح
جمعة بوكليب
جمعة ابوكليب

“الليل ما يجيب حبيب”

“الليل ما يجيب حبيب”

جمعة بوكليب

الليلُ عتمةٌ. العتمةُ حجابٌ. الحجابُ ستارٌ لا نعلم ما يخفي وراءه. العتمةُ أيضاً غموضٌ. الغموضُ مربكٌ عقلياً، وباعثٌ على الخوف نفسياً.  وقولنا “الليل ما يجيب حبيب” ناجم عن خبرة حياتية موروثة، تربط عتمة الليل بالغموض وبالريبة وبالخوف.

الطارقون للأبواب في عتمة الليل ليسوا أحباباً، إلا في حالات استثنائية ونادرة. لأن الاحباب، في العادة، لا يأتون متخفّين بلحاف العتمة، ومن دون علم مسبق. بل يجيئون في وضوح النهار مرفوقين بمودتهم وأنسهم.

 آخذين في الاعتبار أن المثل قديم زمنياً، وينتمي إلى عصر ما قبل اختراع الكهرباء. وبالتالي، فإن حلكة الليل، وفقاً لذلك، تكون مخيفة جداً، كونها ستاراً يتخفّي وراءه  مجهول غير معروف ولا مأمون، يتمثل في مجرمين، ومن على شاكلتهم. بهدف الحاق الأذى. وانزال الهلع في القلوب.

لو فكرنا، قليلاً وبتمهل، في المثل أو القول أعلاه، لربما وجدنا سبيلاً إلى توسيع مفهوم الليل والعتمة، وبالتالي، ما قد يأتي به من مفاجأت واحتمالات غير متوقعة،  وليست سارّة بالطبع.

نحن نخاف غريزياً من المجهول، أي ممن ومما لا نعرف ولا نعلم. والمجهول وعتمة الليل لا يختلفان كثيراً، ونخافهما. ولذلك، كانت الصلاة والدعاء وسيلة أخرى، من وسائل عديدة، يستخدمها الانسان  لكي يتجنّب شرور ما قد يحمله له المجهول/ عتمة الليل في جرابه من أذى محتمل.

لو انعطفنا بالتفسير إلى جهة أخرى، سياسية تحديداً، لوجدنا أن مفهوم الليل يتسع محتوياً غياب اليقين. أي من الممكن تغيير المثل أو القول أعلاه، باحلال الغموض مكان الليل، واليقين والأمل مكان الحبيب. ومن الممكن أيضاً تطبيق ذلك، من باب التوضيح، على الوضع السياسي في بلادنا. فنحن، بعد أزيد من عقد من الزمن، نواجه الغموض في أوضاعنا السياسية وفي مستقبلنا كدولة وكشعب. إذ لا علم لنا، حتى الآن، بالجهة التي ستأخذنا إليها الطريق التي دُفعنا إليها قسراً، من فبراير 2011. التكهناتُ عديدة، ومختلفة. والاحتمالات كذلك، لكن ليس من بينها، حتى الآن، ما يُثبّت اليقين في القلب، بأننا سائرون بوضوح نحو سلام دائم، واستقرار اجتماعي وسياسي، ودولة مدنية وديمقراطية. الغموض السياسي ، مثل عتمة الليل، ينزع الطمأنينة من قلوبنا، ويجعلنا نرتاب في كل من وما قد سيأتينا به المجهول، وفقاً لما نرى ونعرف ونعايش من معطيات في واقع يومي غير مستقر.

ويمكن تشبيه وضعنا بوضع من التجأ إلى كهف، هرباً من شرور عاصفة. لكن العاصفة أسقطت حجراً كبيراً على مدخل الكهف، فصار حبيس الوحدة والعتمة، يأكله الخوف، ويصارع الندم  على اختياره اللجوء إلى الكهف، من دون تدبر للامر، وما قد يحدث. وفي ذات الوقت، يكتشف أن الصراخ بطلب النجدة لا يجدي، لأنّه بعد فترة قصيرة من التفكير، يستريب في أن الصخرة التي سقطت وأغلقت مدخل الكهف، لم تسقطها في الحقيقة عاصفة ، بل ربما هي بفعل فاعل.

عدم اتضاح الرؤية سياسيا، يجعل المرء يفقد  قدرته على التفكير بعقل هاديء وراجح، كونه وقع فريسة سهلة بين أنياب الخوف. والخوف، من دون أدنى شك، مربك جداً،  ويؤثر سلبياً على عقل المرء، وعلى  الطريقة التي يفكر بها. ولذلك، بدلاً من البحث عن حلّ جذري يخرجه من الكهف المعتم، بمحاولة دفع الصخرة، يلجأ إلى  الانتظار، على أمل أن يمر أحد بقرب الكهف وينقذه.  ولكي يبعد عنه الخوف من الظلام، يلجأ إلى الغناء من أجل أن يَسمع صوتَه!!

شاهد أيضاً

التقشف الحكومي

مفتاح قناو في الفترة القريبة الماضية طلب محافظ بنك ليبيا المركزي من رئيس مجلس النواب …