نوتة
بقلم / د. نورالدين محمود سعيد
الشكل وجيوب الزوايا في الثنيات اللحنية عند محمد الموجي.. وجهة نظر، كتبتها منذ أعوام، أعيدها مختصرة هنا، وسأتوقف عند رسالة من تحت الماء، وبصوت الموجي شخصياً، لأنها هنا بالذات خرجت مذهبة وموشحة بالألماس.
الدخول في التثني يبدأ من هسيس لنغمات القيتار، ثم يترنم الموجي لغة موسيقى ولغة لسان منغم: اإن كنت حبيبي ساعدني كيف أرحل عنك … أو كنت طبيبي ساعدني كيف أشفى منكب
سؤال وجودي تساعد الثنيات النغمية الموجية، على إدخاله في توتر عميق.
الثنية <<piega>>، لاحظوا، حين تستمعون، كيفية شكلها في كلمة “طبيبي”، وفي تمطيط حرفين في كلمة من مثل الوب، وكذلك في “إن” و”أو”، و”مــا” ، في الموسيقى من الناحية اللحنية، وفي الجملة كاملة: “لو أني أعرف خاتمتي” الوقوف عند الخاتمة، في كلمة خاتمتي، تحديداً في صياغة حرف الياء.. جاءت هكذا في معمار مطرز بالأبهة..و جملة “ما كنت بدأت” أيضاً، ثم حين ينهي الكوبليه الأول ويدخل في: اشتقت إليك فعلمني، يقول للفرقة: (يا الله)، يعني ادخلوا في النوتة.
لن أحكي عن الحب أو الغرام في الأغاني كما يتصور البعض، ولن أحكي عن نزار مدير الكلمات، لأنني أعرف أن نزار استثناء، وشعره كذلك، وكُتب عن ذلك الكثير، ولكنني سأحكي عن موسيقى استثناء، موسيقى، من نوع غريب، تحوي في طياتها شئ اسمه (الدقة( والدِقة هي مشروعي القادم في النقد، الدقة في الجملة اللحنية يدركها مختصون في السمع، قارئون في اللحن، معاضدون للجملة الموسيقية، والعلامات التي زرعت في طياتها، لن يمروا مرور الكرام، لأن همهم الأكبر في الشكل، في بنية النص الموسيقي، والموجي يدرك هذه البنية، لذا نراه يغني ألحانه أحياناً خوفاً على الثنيات، وايغالاً في التركيز على إظهارها، وكذلك نلاحظ عبد الوهاب، لن أذهب بعيداً عن السياق، راجعوا البروفة التي جمعت عبد الوهاب بعبد الحليم، في أغنية “من غير ليه”، عبد الوهاب لا يشعر بصوت عبد الحليم في الثنية اللحنية، فيصرّ على إعادة الجملة، ويقول لا أنا أقولها كده، ويعيدها، فيعيدها حليم رائعة، ولكن ليس بنفس الطعم، الدقة هي الهاجس الأكبر عند عبد الوهاب والموجي، لاحظوا أيضاً حين يترنم (إن كنت قوياً أخرجني من هذا اليم، فأنا لا أعرف فن العرف فن العوم) “شوفوا” كيف يتعامل من الدقيقة 18 إلى نهاية الأغنية، حين يضغط الموجي على حرف الواو في: فأنا لا أعرف ((فن العوووووووووووووم)) لاحظوا الذي أعنيه بالضبط داخل الميلودي.
المختصر أن ما أسميه هنا بـ “الثنية” كان البروفيسور عبد الله السباعي، قد تداخل معي ذات حوار، معلقاً بأنني ربما أقصد كلمة “العُرب” بضم العين وتسكين الباء، كاصطلاح موسيقي يدركه هو تماماً، كأختصاصي في الأنغام، وكان محقاً، لكن ربما ما أقصده ليس هو بالضبط العُرب الذي أشار له أستاذنا السباعي، ولكن في جزء منه، ماذا أقول في الختام: لابد أن نربي أجيالنا القادمة على طعم الموسيقى وشكلها وامتزاجهما بالدقة، لن تصعد أمة، وإن لامست النجوم، دون أن تهتم بالدقة في تراثها الموسيقي، لا تذهبوا بعيداً أيضاً، عبد الحليم استثناء، غير أن محمد الموجي، ومحمد عبد الوهاب، استثناءات من نوع (آخر) مغاير تماماً. كونهما معلمين تربويين، الواقع في رأيي، لا الكلمات ولا صوت المغني هما المعنيان في بحوثي القادمة، ولا قصة الحب التي أُلفت من أجلها موسيقى ما، لكنني سأهتم بالشكل، شكل الجملة اللحنية، تقوساتها، ثنياتها، وخباياها. وهذه التحفة الفنية بالتحديد جاءت كواحدة من نماذج حقولي.