منصة الصباح

دروس الانتخابات التركية

دروس الانتخابات التركية

بالحبر السري

بقلم: علي الدلالي

انتزع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ولاية رئاسية جديدة في الجولة الثانية للسباق الرئاسي التي جرت الأحد الماضي (52.16 مقابل 47.84 لمنافسه)، من بين أنياب ائتلاف من ستة أحزاب رئيسية معارضة نجحت في التوحد ضده، وعرفت مشاركة واسعة من الشعب التركي بكل أطيافه، بنسبة بلغت 83.99 في المائة بحسب الهيئة العليا للإنتخابات في تركيا.

فاز الرئيس إردوغان، لتركيا أولا ولحزبه العدالة والتنمية ولأنصاره ثانيا، وتلقى التهاني من نظرائه في قارات العالم، المتفقين مع سياساته أو المعارضين لها، وهو فوز ستكون له بكل تأكيد تداعيات على الوضع التركي الداخلي والإقليمي والدولي نظرا لوزن تركيا الدولة العابرة للقارات والمشاطئة لعدة بحار ومضايق، والتي منحها موقعها الجغرافي أهمية كبرى إستراتيجية وجيوسياسية.

يبدو واضحا من خلال هذا الفوز، أن الشعب التركي، رغم الأوضاع الإقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، وهي حالة يبدو أن الناخب التركي أدرك أنها ليست تركية فقط، وإنما هي أزمة عالمية سببتها جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وكذلك سعي الولايات المتحدة الأمريكية بشتى الطرق لكبح الصعود الصاروخي للصين وعرقلة تجمع البريكس، القوة الاقتصادية الصاعدة التي تضم الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، اختار الخبرة في الحكم والاستقرار على مغامرة ائتلاف أحزاب للمعارضة، وهو ائتلاف مصالح صُنع في واشنطن وعواصم غربية عدة، كان سيتصدع ويتعثر في خطواته الأولى، على حساب المكاسب الكبيرة التي حققتها “تركيا – أردوغان” خلال العقدين الماضيين وانتقالها من خطوط الفقر إلى توطين التنمية وبناء التقدم والإزدهار، وهي حقيقة لا يُنكرها أحد.

لتحم تركيا بالعديد من الملفات الإقليمية والدولية من الوزن الثقيل ما يجعل فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بولاية جديدة من خمس سنوات تحت المجهر في سياسات العديد من الدول فرادى أو ثنائية أو متعددة الأطراف، وفي مراقبة ومتابعات التجمعات الإقليمية والتحالفات الدولية السياسية والإقتصادية والعسكرية.

رأينا في هذا الصدد رصد ما كتبه عدد من قادة دول العالم الكبرى الذين سارعوا لتهنئة الرئيس رجب طيب أردوغان بهذا الفوز، رغم أن معظمهم كان يتمنى رحيله عن المشهد السياسي الدولي، إلا أن الأهمية الإستراتيجية والجيوسياسية لتركيا تبقى ثابتة وبالتالي تفرض على الجميع التعامل بندية مع أردوغان حيث كتب الرئيس الأمريكي جو بايدن : ” أهنئ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على إعادة انتخابه وأتطلع إلى مواصلة العمل معا كحليفين في الناتو حول القضايا الثنائية والتحديات العالمية المشتركة”. وكتب رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك على حسابه: “أتطلع إلى مواصلة التعاون الوثيق بين بلدينا من النمو إلى معالجة التهديدات الأمنية كحلفاء في الناتو”. وغرد المستشار الألماني أولف شولز: ” ألمانيا وتركيا شريكان وحليفان مقربان. شعبانا واقتصاداتنا متشابكان بشدة. أهنئ الرئيس أردوغان. معا نسعى لتعزيز جدول أعمالنا بزخم جديد”. وقال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في برقيته: ” فرنسا وتركيا أمامهما تحديات كبيرة لمواجهتها معا، عودة السلام إلى أوروبا، مستقبل الحلف الأوروبي الأطلسي، البحر المتوسط. ومع الرئيس أردوغان الذي أهنيه بإعادة إنتخابه، سنواصل التقدم”. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: ” إن انتصاركم في هذه الانتخابات هو النتيجة المنطقية لعملكم المتفاني على رأس الجمهورية التركية، والدليل القاطع على مساندة الشعب التركي لجهودكم لتعزيز سيادة الدولة واتباع سياسة مستقلة”. وقال الرئيس الصيني شي جينبينغ في برقية تهنئة للرئيس أردوغان: ” أشدد على العديد من المصالح المشتركة وأتطلع إلى العمل مع الرئيس أردوغان لتشجيع التفاهم والدعم المتبادلين وتعزيز علاقات التعاون الإستراتيجية بين بلدينا”.

لا شك أن إعادة انتخاب رجب طيب أردوغان سيكون لها صدى كبيرا في ليبيا نظرا للتدخل التركي في أعماق الأزمة المتفاقمة التي تعصف ببلادنا منذ أكثر من 10 سنوات. ونرى أن قراءة ما بين السطور في برقيات التهنئة من قادة الدول الكبرى يجب أن تدفع متصدري المشهد الليبي، سواء الذين صفقوا لفوز الرئيس إردوغان، ليس بحثا عن مصالح ليبيا بل للحفاظ على كراسيهم، أن يًدركوا أن السياسة لا ثابت فيها، وقد تعصف بهم في أية لحظة، أو أولئك الذين تضرعوا سرا وعلانية لرحيل أردوغان، ليس رفضا للتدخل العسكري التركي كما يزعمون لأنهم متورطون في التدخل الإماراتي والمصري وجلب المرتزقة وتمكين قوات فاغنر من قواعد ثابتة في ليبيا، وإنما حقدا على قيام تركيا بمنعهم من حلم السيطرة على طرابلس، أن يتعلموا الدرس وأن يرحلوا جميعا، شرقا وغربا، ويفسحوا المجال لليبيات والليبيين لتقرير مصيرهم وانتخاب قادتهم بسلام من خلال صناديق الإقتراع بعيدا عن الترهيب وحراب البنادق وتسويق الوهم والعبث.

شاهد أيضاً

عيد الوحدة الوطنية

مفتاح قناو في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي كنا طلابا في المدارس الابتدائية، وكان …