منصة الصباح

أعطونا السلام … أعطونا الأمان!!

بقلم/علي مرعي

استذكرت هذه الأيام العصيبة التي تعيشها ليبيا أغنية الطفلة اللبنانية «ريمي بندلي» (اعطونا السلام) عندما غنتها ألما على بلادها إبان الحرب الأهلية التي استمرت لأكثر من خمسة عشر عاما وما زالت ذيولها مستمرة حتى اليوم. 
سألني أحد الأصدقاء ماذا حل بليبيا؟ بصراحة عجزت عن الإجابة ، أهي لعنة أم بفعل فاعل أم الاثنين معا  ، لم يعد يوجد لا أمن ولا أمان ، حتى الابتسامة غابت عن محيا الناس ، ترى وجوها مكفهرة غاضبة تنظر إلى المستقبل بعين الريبة واليأس ، فليس هناك من تباشير خير تلوح في الأفق ولا من يمكنه أن يزرع الأمل فينا بغد أفضل.   
قتل ودمار ونزوح ، صور تتخيلها للوهلة الأولى في سوريا أو في اليمن أو حتى في أفغانستان ، حالة من الرعب يعيشها المواطن سواء من هو موجود بالقرب من جبهات القتال أو من هو بعيد عنها ، النيران تقترب رويدا رويدا ولا أحد قادر على إطفائها، كما أنه لا أحد يعرف ما هي نهاية هذه المأساة التي كان الليبيون في غنى عنها .
السلام ،الأمان ،الطمأنينة ، هذا ما يطلبه المواطن في هذه اللحظات بعد سنوات من عدم الاستقرار، إنها الحروب العبثية التي تقتل وتشرد الكثيرين من منازلهم ومدارسهم ،حيث لا ملجأ يأويهم ولا ضامن لحياتهم. 
نحن جميعا في بحث متواصل عن السلام ، أما أولئك الساسة الذين يعتلون المنابر ويدلون بتصريحاتهم وينمقون خطاباتهم فلا طائل منهم، لأنهم خارج ما يعانيه المواطن ، فأحوالهم على أحسن ما يرام ، لا نزوح ، لا جوع ، لا فقر ، وزيادة على ذلك يؤمنون استقرارهم واستقرار أبنائهم وفي لحظة ما يغيبون عن المشهد برمته تاركين الألم والوجع لأولئك الذين يركضون تحت أزيز الرصاص والقذائف والشظايا المتطايرة.   
بتنا في صراع نفسي مع أنفسنا من هول ما نراه ونسمع عنه من قتل وتدمير وتشريد ،والكل يتساءل متى ستنتهي هذه الحرب اللعينة التي أتت على الأخضر واليابس وصدعت رؤوس البشر والحجر وحرمت الأطفال من أبسط حقوقهم ، إنها معادلة صعبة للغاية في زمن أصبحت الحروب هي الحل للمشاكل ، وأصبح القتل وسيلة لإثبات الوجود والذات. 
لماذا لا يقبل أحدنا الآخر على قاعدة أننا كلنا مواطنون في هذا البلد؟ ولماذا لا نحترم آراء بعضنا البعض ونبتعد عن أساليب التشكيك والخيانة والمؤامرة ؟ وإذا كان الجميع يهدف إلى بناء دولة عادلة وقوية تحتكم إلى الدستور والمؤسسات فلماذا إذن هذا التناطح والصراع الدموي ؟ 
إن الحروب والعصبيات واستغلال المواقف والارتهانات إلى الخارج لا يعدو كونها سوى انعدام في النضج والرؤى واستشراف المستقبل وهي تمثل أقصى حالات اليأس لأنها تضع الحواجز والعوائق أمام أولئك الذين يتوقون إلى البناء والتشييد ، إذ لا يمكن لك أن تتخيل حجم المصائب والويلات والعذابات التي تنتجها الحروب، ومع ذلك لا بد في نهاية المطاف من أن تنتصر إرادة الإنسان وتطلق العنان لقدراته الكامنة في داخله لإحداث التغيير والتطلع نحو فجر يكون أكثر نقاء وصفاء من ذلك الفجر الذي كان متلبدا لا تميز فيه بين صوت الرعد والبرق وبين صوت الرصاص القادم من آتون الحرب.   
على أؤلئك الذين يعتنقون لغة الحرب والدمار أن يفهموا أن لغتهم أصبحت بالية ولن تؤدي إلى أية نتائج وأن ثقافة السلم هي التي يجب أن تسود ، لأن المغامرين بالحروب هم في الأصل مرتهنون للخارج وهو نفسه الخارج سيلفظهم في لحظة ما عندما تنتهي أدوارهم .  
ما أحوجنا اليوم لرفع راية السلام بدل راية الحروب والدمار ، ما أحوجنا اليوم لبناء المدارس والمستشفيات والمصانع ، وما أحوجنا لرسم الإبتسامة على وجوه الناس بدل هذا البؤس والعبوس، أما آن لهذه الحرب أن تنتهي وينتهي معها فصول من الشقاء والعذاب؟
  كفى ، كفى ، عبثا بحياة الناس ، ارحموا الأجيال القادمة ، تعاونوا على تحقيق السلام في بلد تتنازعه الصراعات الدموية منذ سنوات ، تجاوزا الخلافات والضغائن ،مدوا جسور المحبة بين الناس ، انشئوا بيئة صحية ليستنشق منها المواطن هواء نظيفاً بدل رائحة البارود والموت ، وأخيرا لستم أنتم من يقرر مصير الوطن والمواطن !!    

 

شاهد أيضاً

رحلة عبر الوطن

بقلم : علي الهلالي رغم إنني ترعرعت في أزقة وحواري المدينة القديمة ونشأت فيما بين …