منصة الصباح

أب بعيد

ترجمة : مأمون الزائدي

1

أنا ناظر مدرسة القرية، أعيش بالقرب من مطحنة، تغطي الرياح وجهي أحيانا بالطحين. ساقاي طويلتان، وقد وسمت ليال من الأرق حلقات داكنة تحت عيني . حياتي مكونة من عناصر فلاحية، أشياء ريفي: عويل الموت الصادر من القطار المحلي، تفاح فصل الشتاء، والندى على ثمار الليمون حين يلامسها صقيع الصباح الباكر، العنكبوت الصبور في زاوية غامضة من زوايا غرفتي، والنسيم الذي يحرك ستائري. خلال النهار، تغسل والدتي ملايات لا تحصى، وفي المساء نشرب بلسم الليمون بالشاي ونستمع إلى مسرحيات إذاعية حتى تتشوش الموجة وتضيع بين عشرات المحطات الأرجنتينية التي تتحاشد في الليل.

2

قريتي، كونتيولمو، أصغر من البلدة المجاورة ترييان .Traiguen ، وقبل الذهاب إلى العاصمة للحصول على شهادتي في التعليم، انتهيت من المدرسة الثانوية في أنغول، وهي بلدة أكبر بكثير من ترييان، بينما كنت هناك تم تشخيص إصابتي بفقر الدم الحاد، الذي سارع الأطباء في علاجه بوصف مستحلب سكوت وإعطائي حقن مقوية من زيت كبد السمك في ذراعي جعلتني ممرضة في المستشفى أشرع في نقيصة تدخين السجائر الرخيصة، ومن أجل دعم هذه العادة – والتي أدت لإصابتي بالتهاب القصبات-كان على إيجاد وظيفة ثانية. كان العمل متواضعا جدا وغير منتظم. مرة واحدة في الأسبوع، تأتي شاحنة لتنقل الشراشف التي تغسلها أمي إلى فندق في انغول، بينما أودع السائق بعض التراجم لقصائد فرنسية كان رئيس تحرير صحيفة أنغول ينشرها في ملحق الأحد. والدي فرنسي رجع إلى باريس قبل عام عندما عدت كونتيولمو بعد الانتهاء من دراستي في كلية المعلمين من القطار فيما صعد هو. قبل خدي بحرقة كانت أمي على المنصة أيضا تلبس الحداد عودتي إلى المنزل لم تعوضها أبدا عن غياب والدي. فقد كان يغني لها أغاني فرنسية (سأنتظر) ( أوراق الخريف ) وهذا أمر جيد.

كان يعرف كيفية خبز رغيف الخبز المقرمش الباغيتس، الذي كان يختلف عن الكعك المحلي والخبز الناعم، كما أنه اعتاد جلب الليمون والبرتقال إلى السوق. وكل يوم كان يمر بالمطحنة ليحصل على بعض الدقيق، وكان ذلك كيف أصبح ومالك المطحنة من الأصدقاء. عندما غادرنا أبي، لم أكن قادرا على إظهار مهارته في خبز الباغيتس، ولكني واصلت صداقته مع الطحان. إنه يعرف أبي أكثر مما أعرفه بنفسي. إنه يعرف أبي أكثر مما قد تعرفه أمي.

3

عندما ذهب أبي بعيدا، انطفأت والدتي فجأة، مثل شمعة في مهب عصفة من زمهرير أحببت ومثلها أحببت إلى حد الجنون. وأنا أيضا أردته أن يحبني بالمقابل لكنه كان قد مضى بعيدا عاد إلى وطنه، كان قد كتب رسائل ليلا على آلة الطباعة رامنغتون القديمة خاصتي وتركها مكومة على الطاولة لأقوم بتسليمها حين تأتي الشاحنة لتنقل الملاءات كانت رسائل إلى أصدقائه كما قال « أصدقائي القدامى.» في بعض الأحيان، عندما نكون نشرب البراندي، يفلت الطحان بعض المعلومات، ولذا فإنني دائما أستمع له باهتمام كبير. ولكن مساربه لا تؤدي إلى أي مكان. إنه يبقي الأمور هادئة بالحديث عنها. أو بالأحرى» يتحدث عن الأمور بينما يبقيها ساكنة كما لو كان على ميثاق سري مع والدي، أو عهد موثق بالدم. عندما قرر بيير تركنا، وكنت على وشك التخرج من كلية المعلمين في سانتياغو. أسبوعا يسبق وصولي إلى كونتيولمو، وشهادة تعليم المرحلة الابتدائية في حوزتي قال لوالدتي أن المناخ البارد في جنوب تشيلي صدع عظامه، وأن السفينة في انتظاره في الميناء في فالبارايسونزلت من القطار وصعد هو، صعد إلى نفس العربة. في جنوب تشيلي، لا زالت القطارات تتجاشأ الدخان . ما كان ينبغي لوالدي أن يغادر في نفس الليلة التي وصلت فيها، لم أحصل حتى على فرصة أن أفتح حقيبتي واريه دبلومتي كلينا، أنا وأمي انتحبنا معا .

4

النصوص التي أترجمها بسيطة. أشياء يمكن أن يفهمها الناس هنا *قصائد رينيه غي کادو قصائد قروية ليست كاتدرائيات من الكلمات . وعلى النقيض من ذلك، فإن صحافة سانتياغو تنشر قصائد ضخمة، قصائد محفورة في الرخام، غنية بالإشارات إلى اليونان القديمة وروما وبالتأملات عن الخلود في الجمال. في سانتياغو، تطبع صحيفة وإلميركوريو هذه القصائد مع رسوم لباريس وروما . وفيما يلي النص، بين قوسين، يظهر أسم المترجم. هنا في المحافظات، ليس الجمال خالدا ابدا . أرفق أحيانا بعضا من قصائدي في مغلف مع ترجمتي واطلب من المحرر النظر في نشرها يكون رده على الرغم من سلبيته ، ممتازا باللباقة، نظرا لأنه الم يرفض قصائدي أبدا ولم ينشرها كذلك.

5

الشهر الأول من غياب والي قتل والدتسي تقريبا فهي لم تتجاوز ابدا ذلك بصورة تامة كانت مجرد فترة نقاهة عندما حصلت على وظيفة للتدريس في مدرسة غابرييلا ميسترال الابتدائية، نشطت قليلا. وكان هناك أثر من الفرح في موافقتها، لأن وظيفتي الجديدة تعني أنني لن أتخلى عن القرية مثل أولاد المبوتشي الذين غادروا وانتهى بهم الأمر لعجن العجين في مخابز سانتياغو. لم تصلنا أي رسائل من أبي. وهذا لا يعني أنه لم يرسل لنا أيا منها بل المسألة هي أن سعاة البريد لا يأتون إلى هذه القرى والطلب من سائق الشاحنة الاستفسار في مكتب البريد بانغول ما إذا كان هناك أي بريد لها سيجرح كبرياء والدتي. أنها حقا تمطر كثيرا هنا. أعاني البرد باستمرار. في اليوم العادي، أقوم بتدريس الأطفال الأدب والتاريخ وبعد المدرسة كنت أجني البطاطس والليمون والبرتقال اعتمادا على الموسم والآن مرة أخرى أنا أملأ بضعة سلال بالتفاح وأحضر الطحين من المطحنة. كريستيان شارب دؤوب للنبيذ الأحمر تلوث مريلته بشكل أبسدي بقع أرجوانية اللون دائما ما يقدم لي كوبا ولكني أرفض باستمرار فشرب الكحول يجعلني حزينا وعلى الرغم من أنني حزين دائما تقريبا، فالنبيذ يجعلني حزينا بطريقة مختلفة. كما لوشوقا عميقا جدا يندس فجأة في عروقي منذ ذهب أبي بعيدا، تملكتي الرغبة في أن أموت.

6

أكرس معظم وقتي للتدخين وشحذ أقلامي نوع فابر رقم 2 التي أستخدمها لتصحيح إنشاء تلاميذي، وإذا رأيت شيئا لا أحبه، أفركه بالممحاة التي على الطرف الآخر لقلم الرصاص وأقترح عبارة أفضل، تحصلت على طابعة ريمنجاتون، في الحقيقة عن طريق قرض من عمدة البلدية، الذي سمح لي بذلك كي أتمكن من عمل نسخ جيدة لترجماتي. الأولاد يكتبون نصوص متفائلة جدا. معظمها تبدأ بقول شيء من هذا القبيل، «تتفتح الشمس اليوم»، وتنشر أصابعها الطيبة على الحقل، أو عندما يصيح الديك، يطلع الفجر وتلبس الظلال جلبابا أصفر «أوغستو غوتييريز» فقط من يشذ عن القاعدة. فعلى سبيل المثال، كان يكتب، «صياح الشمس يرسل رشقات نارية تثقب طبلة أذن الديك.» في الرياضيات كان يمثل كارثة .كان يعيد العام السابق، وكان الولد الوحيد في الصف الذي له بوادر شارب على شفته العليا كانت له أختان، في أيام الآحاد أذهب إلى ساحة القرية، وأشتري بعض الفول السوداني الملبس وعلبة صودا بيلز، وأجلس على المقعد الحجري. عندما تمر الأختان بالقرب من المقعد، تنفجران بالضحك والاستهزاء فأحمر خجلا يملك «أوغستو غوتييريز» نظارات سميكة وشفاه رقيقة .وسيبلغ الخامسة عشر يوم الجمعة المقبل. يتمشى في الساحة حاملا مجالدا الروبين داريو، ويحفظ عن ظهر قلب « البحر جميل، مارغريتا ، ورائحة خفية من أزهار البرتقال تصعد النسيم»، لكنه لم يكن مهتما كثيرا بأبيات الشاعر النيكاراغوي ، وهو يواصل حديث رجلا لرجل معي انه يريد أن يعرف، كما أفصح، إن كنت قد ذهبت إلى بيت الفتيات في أنغول، وكم يكلف قضاء ليلة هناك مع إحداهن، نفضت بقايا الفول السوداني عن سروالي الأزرق، وقلت إن مثل هذا الحديث غير لائق بين التلميذ والمعلم، فرد إنه إن كنت لا أريد أن أخبره عن الحياة، فسوف يطلب المشورة من الكاهن في كرسي الاعتراف وأضاف أن حفلة عيد ميلاده يوم الجمعة المقبل ستقدم أكثر من مجرد الكعكة والشموع، ستكون هناك أيضا الموسيقى الرومانسية من أمريكا الشمالية، إن الناس يمكنهم الرقص والخروج معا، طلبت أختاه أن يدعوني، تيريزا سبعة عشر عاما وإيلينا تسعة عشر. وأنا إحدى وعشرون، الجميع هنا محترمون جدا، وليس الدي أدنى شك في أن تيريزا وإيلينا تنحدران من عائلة كريمة، ولكن في كل مرة تذهبان فيها إلى سانتياغو، تشتريان فساتين برقية حاسرة وجينز ضيق يتشبث بوركيهما ويضغط الهواء خارج رئتي.

شاهد أيضاً

اعتماد تصميم طوابع بريدية خاصة بوزارة الثقافة

اعتمد اليوم الخميس، تصميم طوابع بريدية خاصة بوزارة الثقافة والتنمية المعرفية “مواقع ليبية على قائمة …