نقطة نظام
بقلم /فوزي البشتي
تميز الدراسات الحديثة بكونها دراسة منهجية فيها يستعين الباحث بنهج معين بالتراث يطبقه في دراسة أو على هذه الدراسة، وقد بات المنهج من لزوميات الدراسة الحديثة فاذا افتقد شابها عيب كبير ونظر إليها الباحثون والأخرون والقارئون معاً على أنها مما لا يركن إليه أو يعتمد عليه.
وليس لزاماً أن يستعمل الباحث في كل دراساته منهجاً واحداً لا يتغير فقد يتوصل في هذه الدراسة منهجا ما، وفي دراسة أخرى منهجاً اخر المهم أن يتمكن المنهج من إسداء خدمة قدمت للباحث أو للبحث كأن يضيء نصاً أو يجلو واقعة أو يوصل إلى نتائج لم يكن بالأمكان الوصول إليها من دونه.
ولا أعتقد أن التزام منهج معين بالذات في كل الدراسات يخدم الحقيقة المعملية أو التاريخية أو الادبية المراد إثباتها فقد يتمكن المنهج المادي التاريخي على سبيل المثال، من اداء خدمة مهمة في هذا المجال أو ذاك وربما لا يؤدي هذا المنهج أي خدمة تذكر في مجال اخر فلابد إذن من الاعتماد على منهج اخر، هكذا من الضروري أن يكون العلماء المعاصرون عقائديين متشددين في موضوع التزام منهج معين بالذات وفي كل الدراسات فالمنهج وسيلة لا غاية والعبودية للمنهج تساوي في نهاية الأمر فقدان المنهج وبخاصة اذا التزم الباحث المنهج التزاما حرفيا وسعى لإثبات صحته وصوابه لا إثبات أداة نافعة في يده، فعندها نكون أما في مقام العبودية أو في مقام العبارة وكلا الموقفين لا محل لهما في منطق الدراسات الحديثة.
ولكن الخوف ليس من المنهج والمنهجية، فنحن في أشد الحاجة إليهما، ولكن الخوف من مسائل أخرى تتصل باستعمال المنهج، أولها العبودية للمنهج، فبعض كتابنا يلوون عنق النصوص من أجل تأكيد، أن المنهج المادي التاريخي أو المنهج الماركسي في البحث هو دائما على حق وبعض الكتاب الآخرين يفعلون الشئ نفسه من أجل إثبات صحة منهجهم كأننا في نطاق عمل حزبي أو سياسي وكأن المطلوب هو التعصب لعقيدة من العقائد السياسية لا بذل الجهد من أجل إثبات حقيقة من الحقائق.
إلى جانب العبودية للمنهج هناك مشكلة أخرى هي تطبيق المنهج تطبيقاً سيئاً وأسباب ذلك كثيرة، إن الدراسات العلمية هي صنعة علماء مقتدرين مجهزين تجهيزاً جيداً ولديهم إحاطة شاملة بقضايا كثيرة، فإذا تسرب إلى عالم هذه الدراسات من لم يعد لها إعداداً علمياً وروحياً كافياً كان لنا أن نتوقع الكوارث وهكذاً يستوي في هذا المجال الجهل بالمنهج وتطبيقه تطبيقاً سيئاً والمهم في كل ذلك أن لا نصل بالمنهج يوماً إلى ما وصلنا بالحداثة لقد ظللنا نسيء إليها وإلى روحها وإلى مفاهيمها الايجابية حتى تحولت إلى «جنة» أو نكتة