منصة الصباح

غزالة‭ ‬ترغلات‭ ( ‬2‭) ‬

نقوش‭ 
بقلم /منصور‭ ‬ابوشناف

أحس‭ ‬بالصهد‭ ‬الليبي‭ ‬،‭ (‬بالليبيتشيو‭) ‬وهو‭ ‬يجلس‭ ‬متكئا‭ ‬على‭ ‬حوض‭ ‬الغزالة‭  ‬وقد‭ ‬توقفت‭ ‬نافورتها‭ ‬عن‭ ‬رش‭ ‬الجسدين‭ ‬المتسمرين‭ ‬بالماء‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬العادة‭ ‬منذ‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭  ‬وسمع‭ ‬لاول‭ ‬مرة‭ ‬أنات‭ ‬الحورية‭ ‬وهي‭ ‬تلتهب‭ ‬ويحرقها‭ ‬جفاف‭ (‬الليبيتشيو‭) ‬ثم‭ ‬عصفت‭ ‬رياح‭ ‬ابريل‭ ‬،‭ ‬“اقسى‭ ‬الشهور”‭ ‬فعوى‭ ‬عاليا‭ ‬وعاد‭ ‬الى‭ ‬الميدان‭ ‬ورغم‭ ‬الزحام‭ ‬والضجيج‭ ‬سمع‭ ‬صهيل‭ ‬خيول‭ ‬نافورة‭ ‬ميدان‭ ‬الشهداء‭ ‬وراها‭ ‬تشبو‭ ‬حقا‭ ‬متحدية‭ ‬ومستعدة‭ ‬للقتال‭  ‬“كانت‭ ‬خيول‭ ‬الفاتحين‭ ‬وكما‭ ‬ظلت‭ ‬دائما‭ ‬تتدفق‭ ‬عبر‭ ‬شارع‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬العاص‭ ‬لتصل‭ ‬الى‭ ‬نافورة‭ ‬الخيول‭ ‬بميدان‭ ‬الشهداء‭ ‬وظلت‭ ‬السيول‭ ‬تتدفق‭ ‬عبر‭ ‬شارع‭ ‬الوادي‭ ‬“‭ ‬الاسم‭ ‬الشعبي‭ ‬لشارع‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬العاص”‭ ‬لتغمر‭ ‬ميدان‭ ‬الشهداء‭ ‬و‭ ‬نافورة‭ ‬خيولة‭ ‬وظلت‭ ‬جموع‭ ‬الهاجين‭ ‬تتدفق‭ ‬من‭ ‬الصحراء‭ ‬يطاردها‭ ‬العطش‭ ‬باتجاه‭ ‬الميناء‭ .‬
انتصب‭ ‬امام‭ ‬نافورة‭ ‬الغزالة‭ ‬والحسناء‭ ‬وطرق‭ ‬بقوة‭ ‬على‭ ‬فخذ‭ ‬الحسناء‭ ‬فوجده‭ ‬مجوفا‭ ‬فارغا‭ ‬واحس‭ ‬بفراغ‭ ‬داخله‭ ‬رجل‭ ‬اجوف‭ ‬فعوى‭ ‬مهتاجا‭ ‬عله‭ ‬يملأ‭ ‬جوفه‭ ‬الفارغ‭ .‬
“‭ ‬لا‭ ‬ادري‭ ‬انا‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬الاليجوريا”‭ ‬لماذا‭ ‬اقع‭ ‬طائعا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭  ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬“‭ ‬المعري”‭ ‬الاوروبي‭ ‬“‭ ‬ت‭ ‬س‭ ‬اليوت”‭ ‬وارضه‭ ‬الخراب‭ ‬؟‭. ‬
كان‭ ‬القذافي‭ ‬والكلمات‭ ‬تتدفق‭ ‬من‭ ‬فمه‭ ‬يطلق‭ ‬عقال‭ ‬براري‭ ‬من‭ ‬الرمل‭ ‬والطين‭ ‬والغزلان‭ ‬والذئاب‭ ‬والضباع‭ ‬والنسور‭  ‬يهشم‭ ‬صلصال‭ ‬الغزالة‭ ‬وسدود‭ ‬السيول‭ ‬واسوار‭ ‬لبدة‭ ‬الكبرى‭ ‬يفتح‭ ‬الطريق‭ ‬لجيوش‭ ‬الجرمنت‭ ‬لتدخل‭ ‬المدن‭ ‬والدوائر‭ ‬الحكومية‭ ‬والمكتبات‭ ‬والمسارح‭ ‬يغطي‭ ‬زحفها‭ ‬غبار‭ ‬“الليبيتشيو”‭ ‬كان‭ ‬يقود‭ ‬معركة‭ ‬الاسترداد‭ ‬متقدما‭ ‬“نحو‭ ‬طرابلس”‭ .‬
وكان‭ ‬بطلنا‭ ‬وحيدا‭ ‬امام‭ ‬تمثال‭ ‬الغزالة‭ ‬والحسناء‭ ‬يلف‭  ‬على‭ ‬اربع‭ ‬مهتاجا‭ ‬اثر‭ ‬صراخ‭ ‬القذافي‭ ‬والجموع‭ ‬وتستبد‭ ‬به‭ ‬رغبة‭ ‬للعواء‭ ‬هو‭ ‬لايعرف‭ ‬ان‭ ‬كان‭ ‬مبتهجا‭ ‬ام‭ ‬غاضبا‭ ‬ولكن‭ ‬به‭ ‬رغبة‭ ‬للعواء‭ ‬عاليا‭ ‬وبشراسة‭ ‬فعوى‭ ‬مرة‭ ‬ومرتين‭ ‬واحس‭ ‬براحة‭ ‬اثر‭ ‬ذلك‭  ‬ولكن‭ ‬تلك‭ ‬الراحة‭ ‬تحولت‭ ‬الى‭ ‬احساس‭ ‬بالفراغ‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬مملوؤا‭ ‬بالهواء‭ ‬وتدفق‭ ‬من‭ ‬جوفه‭ ‬كل‭ ‬ماكان‭ ‬يملؤه‭ ‬فعب‭ ‬من‭ ‬الهواء‭ ‬المغبر‭ ‬ما‭ ‬استطاع‭ ‬وسمعها‭ ‬تهمس‭ ‬له‭ ‬“مابك؟”‭ ‬كان‭ ‬همسها‭ ‬يتحول‭ ‬شيئا‭ ‬فشيئا‭ ‬الى‭ ‬صفير‭ ‬ريح‭ ‬صحراوي‭ ‬جاف‭ ‬كان‭ ‬به‭ ‬رنين‭ ‬فخذ‭ ‬الحسناء‭ ‬المجوف‭ ‬والتفت‭ ‬الى‭ ‬رأس‭ ‬الحسناء‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬وجه‭ ‬“السنيورة”‭ ‬وتحسس‭ ‬زغب‭ ‬ذراعيها‭ ‬الذي‭ ‬راه‭ ‬متوردا‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬لبدة‭ ‬الكبرى‭ ‬يوما‭ ‬ما‭ ‬،‭ ‬كان‭ ‬يجف‭ ‬وود‭ ‬لوكان‭ ‬بامكانه‭ ‬ان‭ ‬يبلله‭ ‬بلسانه‭ ‬فوجد‭ ‬لسانه‭ ‬جافا‭ ‬ويتدلى‭ ‬لاهثا‭ ‬ككلب‭ ‬اصيل‭ .‬
“ابريل‭ ‬اقسى‭ ‬الشهور”‭ ‬وكان‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬ابريل‭ ‬عام‭ ‬1973م‭ ‬وكانت‭ ‬ليبيا‭ ‬حقا‭ ‬تتحول‭ ‬كان‭ ‬فرن‭ ‬الليبيتشيو‭ ‬يتقد‭ ‬وكانت‭ ‬سيارات‭ ‬الامن‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬تتحرك‭ ‬في‭ ‬ارجاء‭ ‬البلاد‭ ‬كان‭ ‬رؤساء‭ ‬فرق‭ ‬القبض‭ ‬يعيدون‭ ‬قراءة‭ ‬قوائم‭ ‬المطلوبين‭ ‬ليحددوا‭ ‬عنوان‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منهم‭ ‬بعضهم‭ ‬يعرف‭ ‬المطلوبين‭ ‬وعناوينهم‭ ‬دونما‭ ‬حاجة‭ ‬لتلك‭ ‬القوائم‭  ‬فغالبها‭ ‬قديم‭ ‬وموروث‭ ‬من‭ ‬قوائم‭ ‬امن‭ ‬المملكة‭ ‬تقريبا‭ ‬نفس‭ ‬المطلوبين‭ ‬عام‭ ‬1967م‭ ‬ربما‭ ‬اضيف‭ ‬لها‭ ‬بعض‭ ‬الاسماء‭ ‬الجديدة‭ ‬ولكنها‭ ‬تقريبا‭ ‬نفسها‭ . ‬
القوائم‭ ‬الجديدة‭ ‬والغريبة‭ ‬كانت‭ ‬قوائم‭ ‬مطلوبين‭ ‬غريبين‭  ‬لم‭ ‬يعرفهم‭ ‬الامن‭ ‬الليبي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬فيها‭ ‬كان‭ ‬مطلوبا‭ ‬ليس‭ ‬للاعتقال‭ ‬وانما‭ ‬للحرق‭ ‬في‭ ‬محارق‭ ‬علنية‭ ‬وسط‭ ‬ساحات‭ ‬وميادين‭ ‬المدن‭ ‬المطلوبون‭ ‬للحرق‭ ‬كانوا‭ ‬كتبا‭ ‬نعم‭ ‬كتبا‭ ‬من‭ ‬ورق‭ ‬وحبر‭ ‬كتب‭ ‬ماركس‭ ‬وفرويد‭ ‬وداروين‭ ‬،‭ ‬غالبية‭ ‬ماانتج‭ ‬الاوروبيون‭ ‬من‭ ‬كتب‭  ‬وايضا‭ ‬كتب‭ ‬الاحزاب‭ ‬الاسلامية‭ ‬والقومية‭ ‬والاشتراكية‭ ‬والشيوعية‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬عرب‭ ‬ومسلمون‭ . ‬
كان‭ ‬على‭ ‬الامن‭ ‬ان‭ ‬ينقض‭ ‬على‭ ‬المكتبات‭ ‬ليطهرها‭ ‬“كما‭ ‬يقول‭ ‬الراديو‭ ‬والتلفزيون”‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬الصفراء‭ ‬والفكر‭ ‬الرجعي‭ ‬العميل‭ .‬كانت‭ ‬“الثورة‭ ‬الثقافية”‭ ‬كما‭ ‬اسماها‭ ‬القذافي‭ ‬والتلفزيون‭ ‬تجتاح‭ ‬البلاد‭ ‬كلها‭ ‬فهاجمت‭ ‬الجماهير‭ ‬كما‭ ‬ظهر‭ ‬على‭ ‬التلفزيون‭  ‬بيوت‭ ‬بعض‭ ‬“المرضى”‭ .‬

فصل‭ ‬من‭ ‬روايتي‭  ‬‮«‬لكلب‭ ‬الذهبي‭

شاهد أيضاً

موسى يؤكد ضرورة سرعة ودقة إدخال بيانات الحجاج للمنظومة الإلكترونية

أكد منسق المنطقة الوسطى أ (مصراتة – زليتن – الخمس – مسلاتة) علي محمد موسى …