منصة الصباح

لَعلَّ شيئاً جَميلاً يحدث

زايد…ناقص

جمعة بوكليب

 

لا أعرفُ كيف حدثَ ما يحدث لي، أو لماذا؟ لكنّها الدنيا العجيبة التي نعيش فيها، وأهلها من البشر الأكثر عجباً وغرابة، وأنا منهم، حتى وإن كنتُ، في ما مضى، أعتقد  أنني لست منهم،  مثل جُملة لا مكان لها من الإعراب، كما يقول أهل النحو والبلاغة. ولذلك السبب لا غير، لا أعرف إن كنتُ سعيداً بما يحدث لي أو حزيناً، لا فرق عندي حقيقة.  كل ما أعرفه أنني وجدتُ الأمر مُسلّياً بعض الشيء . الأمر؟ أقصد الحالة التي وجدتنُي فيها، من دون أن أشعُر، أو أُصممَ وأخطط متعمداً. هكذا هي الدنيا، وستظل دوماً، ولا أعتقد أنها ستتغير. وربما لهذا السبب وصفها أهلهُا بالعجيبة والغريبة. والشاعر العراقي المرحوم عبد الوهاب البياتي، وصفها مرّة في أحد قصائده بأنها بنت كلبة. وهو وصفٌ، في رأيي، لا تستحقه، لأنها أم كل الكلاب وأبوهم أيضاً. لكنّها جميلة أحياناً، رغم كل مصائبها ومآسيها التي لا تتوقف.

وباختصار مفيد، في الشهور الأخيرة، بدأتُ أجد نفسي متورطاً في أحاديث مع رجال ونساء تقدم بهم العمرُ كثيراً. ربما هم تقصّدوا الحديث معي، لكنّي لم أتعمد ذلك مطلقاً ولم أمانع. هل لأنهم وجدوا في هيأتي وملامحي ما يدلُّ على أنني تجاوزت سن الشباب، وقادر على فهمهم والتواصل معهم، أم أنهم بطبيعتهم يحبون تبادل الأحاديث مع غرباء، كونهم يشعرون بالوحدة؟ لا أعرف إجابة للسؤال. وكل ما أعرفه أنني تعوّدت ذلك، وقبلته. ذلك اليوم، على سبيل المثال، دخلتُ محلاً صغيراً للسلع الغذائية، واشتريتُ علبة سردين. لا أعرف لماذا فعلتُ ذلك؟ ثم وقفتُ خارج المحل، وفتحتُ العلبة، وبدأت أكل السردين بمتعة، وسط الشارع. والناس يمرون بي غير مبالين، وأنا بدوري أبادلهم اللامبالاة،  حين فجأة خرجت سيدة عجوز من نفس المحل. نظرت إليَّ مستغربة وأنا مستغرق في الأكل، وبدأت تضحك بصوت عالٍ. توقفتُ عن الأكل، ونظرتُ إليها. سألتني ماذا تأكل؟ قلت لها مبتسماً: سردين معلب. فقهقهت ضاحكة مرّة أخرى، وقالت لي لأوّل مرّة أرى ذلك. وانصرفتْ وهي تضحك. أنا لم أجد الأمر مضحكاً. لكنّي تقبلته، وسعدتُ أني أدخلت شيئاً من  سرور وبهجة إلى قلب سيدة  عجوز.

في المرّة الثانية، كنت واقفاً أمام سوبر ماركت أدخن. حين اقترب مني رجل عجوز جداً، بالكاد يستطيع المشي، وهو يدفع عربة تبضع فارغة ليضعها في المكان المخصص. وحين انتهى، اقترب منّي، وقال لي بما يشبه الهمس: اليوم ثمة شخص سيتعرض للمتاعب. الخبر أثار أهتمامي وظننته يقصدني. سألته: ولماذا ؟ أجابني على الفور قائلاً: وجدتُ خاتم زواج مُلقى على الأرض في السوبر ماركت. ابتسمتُ، وقلت له كان الله في عونه أو عونها. لكنّ العجوز كان قد أدار ظهره وانصرفْ. آخر ما حدث لي، كان منذ أيام قليلة، وأنا في طريقي لزيارة صديق في مكتبه بالمدينة. المكتبُ يقع بمبنى كبير، وفي الطابق الخامس. في المصعد حين دخلته وجدت رجلاً عجوزاً قد سبقني إليه. حييته بايماءة من رأسي، ووقفت بجانبه، وضغطت زر الطابق الخامس. أخرج العجوز علبة صغيرة بها  حلوى منكهة بالتعناع. سألني: هل تريد واحدة؟ أجبت بالنفي وشكرته. وضع واحدة في فمه، وبدأ يمصّها بمتعة. والتفت نحوي قال إنه يحرص دائماً على حمل العلبة معه، وتناول واحدة من حين لآخر، ثم غمز بعينه وقال: لعلَّ شيئاً جميلاً يحدث. من يدري؟

شاهد أيضاً

زيادة الوزن وطريق الموت

مع شاهي العصر: توجد دولة في جنوب أمريكا اسمها بوليڤيا بها شارع يعد أخطر شارع …