منصة الصباح

كل ممنوع مرغوب !

إضاءة

محمود السوكني

بعد أحداث السابع عشر من فبراير ، وفور إستقرار الأمر إلى مانحن فيه غزت الاكشاك عشرات  المطبوعات الجديدة بين يومية واسبوعية تجاوز عددها الأربعمائة مطبوعة شكلت في مجملها ظاهرة محمودة استبشرنا بها خيراً رغم ماشاب التجربة من عيوب ، إذ افتقر بعضها  لأبسط ابجديات العمل الصحفي فيما بعضها الآخر لا يمت للصحافة بصلة باستثناء النذر اليسير الذي كان صدوره تعبيراً صادقاً عن رغبة مكبوتة  لدى أصحاب المهنة الذين كانوا يتوقون لتاسيس صحافة حرّة ونزيهة لا تأسرها قيود ولا تتحكم فيها ضوابط رقابية صارمة تحرمها من قول الحقيقة والإنتصار لها .

كان تدفق  تلك المطبوعات التي لا رقيب عليها  نتاج طبيعي لعهد جديد يتطلع أصحابه ومريديه إلى ممارسة حرية التعبير كأساس لنظام يحترم حق المواطن في الإفصاح عن أمانيه بكل شفافية وبلا خوف من رقيب أو حسيب .

فجأة إنتشرت ..           ورويداً رويداً  إختفت ..

كان بعضها متحمساً إلى حد الوله ، تم خفت حماسه وضاع صوته وسط الزحام ..

وكان منها من جاء تسجيلاً لموقف أو إثباتاً لوجود ..

فيما انصب إهتمام  البعض الآخر لتأليه شخص بعينه أو تمجيد مجموعة ما أو تسويق مفاهيم تيار ونشر أفكاره وكلها سرعان ما إنطفأ وهجها وتبدد وميضها ..

أغلب تلك المطبوعات أو فلنقل كلها إلا بعضها الذي لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة  إنتهت إلى فعل ماضي لحادثة لم تدم طويلا وغدت في حكم (الطهقة) التي إشتهرنا بها ! وإن كان هناك من إيجابيات لهذه التجربة القصيرة فإنها تلك الأقلام الشابة الواعدة التي افرزتها والتي تبشر بمستقبل زاهر لمهنة الصحافة قد يعيد لها أمجادها الغابرة بإعتبارها رائدة الصحافة العربية  تاريخيّاً بحكم الاقدمية ، كما أنها المؤسس لصحافة المهجر التي إنطلقت بداياتها في عاصمة الضباب على يد المعلم “أحمد الصالحين الهوني” والصحفي اللامع “رشاد الهوني” وصحيفة “العرب” إلاولى التي خرّجت كتيبة الصحفيين المهرة الذين يديرون بحنكة واقتدار صحف المهجر الآن .

على نفس المنوال تاسست الأحزاب السياسية وقد دُعيت شخصياً لحضور حفلات أشهار بعض منها والتي سميت مجازاً بجلسات إفتتاح وكان الحماس متقداً وكان الجميع مندفعاً وكانت الشعارات الحماسية وكانت البيانات النارية والتصريحات المتشنجة وامتلأت المناشير بالاماني وتعالت الصيحات بالمطالب التي كانت تقابل بالوعود الحالمة التي تصيب المرء بالدوار وتحلق به هناك في السماوات السبع و.. في برهة من الزمن يتلاشى ذلك  السراب وتضيع النشوة بعد أن اصطدم العقل بالواقع المر الذي لا فكاك منه ، واقع يحكمه إنعدام الخبرة وغياب الفكرة وفشل التجربة التي كانت مجرد (طهقة) لزوم الوجاهة وتزييناً للكادر وتلميعاً لبعض الوجوه .

و.. إلى لقاء إذا شاء القدر.

 

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …