حنيف قريشي (1)
ترجمة عمر أبوالقاسم الككلي
حزمت المعدات، وها أنني أنتظر قدومهم. لن يتأخروا، فهم لا يتأخرون أبدا.
أنتم لا تعرفونني شخصيا . لم يخطر وجودي ببالكم. ولكنني أراهن على أنكم شاهدتم عملي: لقد بث في كل مكان، في معظم محطات الأخبار في مختلف أنحاء العالم. على الأقل بشت أجزاء منه. يمكنكم العثور عليه، الآن، على الإنترنت، إذا ما رغبتم في ذلك. إذا ما كنتم تحتملون مشاهدته.
لا أعني أنه يمكنكم تمييز أسلوبي، بصمتي الفنية، أو أي شيء من هذا القبيل. فأنا أصور قطع الرؤوس، الذي أصبح دارجا في هذه المدينة المخربة بالحرب، موطن طفولتي.
لم يكن طموحي أبدا، كشاب أحب السينما، أن أصور أفلاما عن هذه الأشياء . كما أنه لم تكن لدي رغبة في عمل أفلام عن الأعراس، على الرغم من قلتها هذه الأيام. نفس الشيء ينطبق على مراسم التخرج والحفلات. لقد كنا، أصدقائي وأنا، نرغب دائما في عمل أفلام بمعنى الكلمة، بممثلين حيويين وحوارات ونكت وموسيقى، على غرار ما كنا نفعله ونحن طلبة. لم يعد شيء من ذلك ممكنا. إننا نتقدم في السن كل يوم، لقد أخذنا نهرم، القصص هناك، تنتظر أن تحکی، ونحن فنانون. إلا أن هذا الركام، عمل الموت، هو الذي ساد.
لقد أوصى بنا، لهذه الوظيفة، ولا يمكننا عدم القيام بذلك، لا يمكننا القول بأننا نزور أقارب أو أننا نعمل بحجرة التنقيح. يخطروننا مع مهلة قصيرة في ساعات غير ملائمة غالبا في الليل، وبعد دقائق يكونون في الخارج مع أسلحتهم. يضعوننا في السيارة و يغطون رؤوسنا، ولأنهم لا يأخذون منا في المرة الواحدة أكثر من شخص، يقوم السفاحون بمساعدتنا في حمل الآلات. وكان علينا، إلى جانب التصوير، أن نسجل الأصوات، ونعبيء آلة التصوير ونتدبر كيفية إضاءة المشهد. طلبت استخدام مساعد، فلم يزودوني سوى بجلف منهم لم يكن يعرف شيئا ، لا يستطيع حتى مسح العدسة دون أن يشوهها.
أعرف ثلاثة أشخاص آخرين يقومون بنفس العمل. ناقشنا هذا فيما بيننا، ولكننا لم نتحدث إلى أي شخص آخر، خشية أن ينتهي بنا الأمر إلى أن نكون أمام آلة التصوير.
كان أكثر أصدقائي حميمية يقوم، حتى وقت قريب، بتصوير قطع الرؤوس. هو، على أية حال، ليس مخرجا . إنه فقط كاتب حقيقي. ليس لدي أي اعتراض ضده، ولكن ثقتي به لا تصل إلى حد تسليمه آلة تصوير. فهو غير متمكن من الأمور التقنية، كيف يهيء المعدات، ثم كيف يدخل المواد إلى الحاسوب ومن ثم إلى الإنترنت. هذا يعد ضمن المهارات، واضح.
كان هو صاحب فكرة كتابة «أعراس وقطع الراس» على بطاقات الدعوة. حينما تكون الكهرباء غير مقطوعة نلتقي في شقته لمشاهدة أفلام الفيديو، وهو يغادر يقول مازحا:«لا تدفن رأسك في الرمل، يا صديقي. لن تفقد رأسك الآن. ارفع ذقنك»
منذ حوالي أسبوعين تسبب في اضطراب سيء. كانت آلات التصوير جيدة النوعية استولي عليها من صحفيين أجانب، لكن مصباح إحداها احترق ولم يستطع استبداله. لحظتها أدخلوا الضحية. حاول صديقي أن يفهمهم: «الظلام شديد، لن تظهر الصورة، ولا تستطيعون إعادة تصويرها . إلا أنهم كانوا مستعجلين، ولم يتمكن من إقناعهم، كانوا قد شرعوا في حز الرقبة، فاعتراه رعب جعله يغمى عليه. لحسن الحظ كانت آلة التصوير تشتغل، طبعا، جاءت إضاءة الصورة تحت الحد الأدنى- ما الذي كانوا ينتظرونه؟. لقد أعجبتني، سفكية، هكذا وصفتها، ولكنهم صفعوه على رأسه، ولم يستخدموه ثانية أبدا.
كان محظوظا، ولكنني أتساءل ما إذا كان في طريقه إلى الجنون. احتفظ سرا بنسخ من تسجيلاته لقطع الرؤوس ويشتغل عليها، بدون احتراز، في حاسوبه، يقطعها ويعيد تقطيعها، يركب عليها موسيقى، أنواعا من موسيقى السونغ، أوبرا، جاز، أغاني هزلية. لعلها الحرية الوحيدة التي يمتلكها.
قد يفاجئكم هذا، ولكننا كنا نتقاضى أجرا، دائما كانوا يعطوننا شيئا ما مقابل المتاعب». إنهم حتى يطلقون بعض النكت «ستنالون جائزة على العمل القادم. ألا تحبون، أيها الشباب، الجوائز والتماثيل وهذا الهراء؟ »
هذا كله جهنمي، الرحلة الطويلة إلى هناك مع آلة التصوير وحاملها في حجرك، رائحة الحقيبة، الأسلحة، والخشية من أنك قد تكون أنت الضحية هذه المرة. عادة ما تكون مريضا، ثم إذا بك في بناية، في حجرة، تنصب المعدات، وتسمع أشياء من الحجرات الأخرى تجعلك تتساءل ما إذا كان وجود الحياة على الأرض فكرة صائبة.
أعرف أنكم لا تحبون التفاصيل الكثيرة، ولكن قطع رأس شخص ما هو، إذا لم تكن جزارا، عمل جدي، وهؤلاء الأشخاص غير مؤهلين، إنهم فقط متحمسون- هذه هوايتهم. لجعل المشهد مؤثرا، ينبغي أخذ لقطة واضحة لعيني الضحية قبيل عصبهما ، في النهاية يرفعون الرأس وهو يسيل دما وقد تحتاج هنا إلى حمل آلة التصوير بيدك، لالتقاط كل شيء . لابد اللقطة من أن تكون مؤطرة بعناية. لن يحصل طيب إذا نسيت شيئا ما.
يهللون ويطلقون النار في دوائر وأنت تفحص الشريط وتعيده إلى البداية. بعد ذلك يضعون الجثمان في كيس ويلقون به في مكان ما، قبل أن يقلوك إلى مكان آخر، تقوم فيه بتلقيم المادة للحاسوب وترسلها .
دائما ما كنت أتساءل عما يفعله ذلك بي. أفكر في مصوري الحروب، تصويرا ثابتا، الذين يستخدمون العدسة، كما يقولون ، ليبعدوا أنفسهم عن واقع المكابدة والموت. ولكن أولئك الأشخاص هم الذين اختاروا أن يفعلوا ذلك، إنهم مؤمنون به . نحن أبرياء.
أرغب في أن أنجز، يوما ما، فلما حقيقيا، قد يبدأ بقطع رأس، يحكي قصة تقود إلى هذا. اهتمامي ينصب على الأحياء، ولكن، بالنظر إلى ما تسير عليه الأمور، سأفعل هذا لفترة. أحيانا أتساءل عما إذا كنت سائرا نحو الجنون، أو لعل حتى هذا المخرج ممنوع علي.
الأفضل أن أذهب الآن. شخص ما بالباب.
(1) أديب بريطاني من مواليد 1954، باكستاني الأب وإنغليزي الأم، يكتب السيناريو السينيمائي والمسرحية والرواية والقصة. العنوان الأصلي للقصة:
Weddings & beheadings وقد حاولنا الحفاظ على الجناس الوارد في العنوان.