بقلم:فتحية الجديدي
اختفى ذلك القارب واختفت معه أحلامي في ذاك اليوم, لكن قارباً آخر رست صوبي, حاملاً باقة من الأمنيات. رأيته بلونه الأزرق واقفاً على الشاطئ يغازل المياه ، في صباح يوم جديد بنفس المكان, أين رميت ذات مغامرة أحلامي الفارطة على متن القارب القديم الذي غادر في هدوء واليوم كانت لأحلامي صيغة مخالفة وأنا أساق نحوه صحبة أمل ارتسم على ظلاله المنعكس على وجه البحر المقيد بحبل كأنه أسير المكان – وكم أردت فكه وتركه يبحر معي ، وترك الزمن والأرض والمكان والشخوص إلى ضفة تحتويه وإياي.
كان قريبًا من شرفات المباني المطلة عليه, والتي تحمل زرعاً متراصاً على حوافها, بينما انهمك قاربي في ترديد عبارات لأصحاب الأماكن مغنياً لهم بأن كل يوم هو يوم للحلم وكل نهار هو لهم ومن صنيعهم للأمد القادم من بعيد ، ثم فتح أركانه لي حين جلست على ركنه الخشبي ورقصت لنا الأمواج سوياً في إيقاع بين صوت الماء وضجيج قلبي. لم تسعفني اللحظات وهو يحتضنني لأخبره بأنني أحتاج لوقت إضافي من أجل صياغة حلم مشترك ولم أعد مترددة أن تقصد مناطق مغايرة لاكتشافها وترك ما يثقلني.
قاربي الجميل بدا سعيداً معي وكأنه يرقص ونحن نستمع لأغاني الصباح وقد رمينا معا بقايا الانتظار ووجع الغياب وألم الفقد وخيبات مباغتة ، وعدنا في صحوة بألوان ظاهرة كما هي, موشوشاً بأنني لست وحدي بل العالم بات ملكي. تركته مودعة ينتظرني بأن أزف له خبراً مفرحاً وبأنني سأحمل له باقات الفرح عندما أكون جاهزة للحلم مرة أخرى ، فليس كل ما كان يوجعنا سيئاً, بل سلعة مخزنة يمكن أن نرميها ونستفيد من مكانها في ترتيب مختلف وروح أكثر إشراقاً وعناوين ذات جدوى بعيدًا عن الاستهلاك وإعادة تدوير الرهانات الخاسرة أو الأشخاص الوهميين والرجال المصنوعين من ورق ظل هناك وعدت إلى بيتي أحمل معي قصاصات دونت فيها مفردات لبداية حكايات أقف عندها ولا أساق إليها, وصيغ مؤكدة غير قابلة لأي احتمالات .. كان له الفضل بأن أعود مع وجوه أخرى أقبل عليه ببهجة ولا أتقيد بها –فعلا تعلمت – وهكذا الحياة.