منصة الصباح

سلطة الإبداع وسلطة المؤسسة 1/2

 

مما يحكى عن حامل نوبل الأديب الأمريكي سنكلير لويس  المعروف بإدمانه الشراب ، أنه كان مدعوا في إحدى المرات لإلقاء محاضرة حول الكتابة الإبداعية ، وقد حضر  إلى القاعة مخمورا كعادته ، ولكنه قبل الشروع فيما جاء من أجله طرح على الحاضرين سؤالا عن دواعي اهتمامهم ومجيئهم لسماعه ، وعندما أجمعوا في ردودهم على أنهم جميعا يريدون أن يكتبوا وأن يصيرون كتابا ، لم يكن من لويس إلا أن قال : ( لماذا لم تبقوا في بيوتكم تكتبون ) ثم لَملم أشياء وغادر المكان .

ونحن لن نبقى في حدود هذه الواقعة ، التي نرى عبرها ملمحا  ( لعله ) أهم ملامح المبدع  وسلطة الإبداع بوجه عام ، بل سننصرف إلى ما نحن بصدده ، وذلك هو موقع ( المبدع ) وليس المثقف من المؤسسة ويجيء الإصرار على ( المبدع ) من واقع ما لحق بهذا الأخير كلفظ وإصطلاح تعبيري من تمييع ومط ولث وعجن ، و و و … ، ما أفقده دلالته وابتذله ، فقد غدا الكل مثقفا ، سواء صاحب التخصص الضيق والمحدود والذي لا يمكن تصنيفه خارج حدود تخصصه بغير الأمية ، أو الذي يحمل على محمل الجد مجاملة معارفه له ودعوتهم إياه بالأستاذ ، بل وحتى العاجز عن صياغة موضوع إنشائي ( ناهيك عن كوارث النحو والإملاء ) يصر ويصر مجاملوه على أنه مثقف ، بل ولا يستنكف هو ولا هم أيضا عن استباق إسمه الكريم بالحرفين ( أ د ) أي الأستاذ الدكتور أو الأستاذة الدكتورة ، لتكتمل المهزلة ، ويضيع المثقف الحقيقي في الزحام .

وإذا أمكننا أن نستشف من خلال ما جاء من شأن سنكلير لويس سلطة الإبداع وما تمتاز به من كونها تجاوز دائم للراهن وانفلات لا يفتر من أسر السائد والمعتاد واستشراف للمستقبل الأفضل ، وهي بالتأكيد سلطة المبدع ، أو بالأحرى ذلك كل ما للمبدع من سلطة ، وكل ما يحرص على الاحتفاظ به  والذود عنه وتأكيده ، في مواجهة كل صيغ وأشكال السلطة المغايرة ، والتي لا ينتج عن خضوعه لها ومسايرته إياها وتبني رؤاها وأفكارها وثوابتها ( المتحجرة غالبا ، بل عادة ) غير تنازله عما يميزه عن غيره من قدرات وإمكانيات إبداعيه يجد فيها وحدها ( وليس فيما هو مستمرأ ومعتاد ) معاني وقيم وجوده وحياته .

بذلك لا يترك المبدع لسلطة المؤسسات بداية من صياغتها الاجتماعية الأسرة والعشيرة والقبيلة ، وحتى سلطة الدولة بوزاراتها ومؤسساتها وهيئاتها ، من سبيل غير أن ترتاب به بداية ، ثم أن تحاول ترويضه وتدجينه وقد تستخف به وتتجاهله كآلية من آليات التدجين أو قد تغدق عليه الرشاوى في شكل هبات ومنح وهدايا ، وعندما تتيقن من أن ذلك ليس هو ما يطلبه المبدع فإنها تعاديه تهمشه تبخس أبداعه وتحط من شأنه ، ويحسن بنا هنا أن نتحلى بقدر معقول من الإنصاف والموضوعية ، إذ لا يعقل أن نطلب من مؤسسات عريقة يبلغ عمرها آلاف السنين أن تتخلى عن حصيلة عمرها من السير على صراط ماتوارثته وورثته من أفكار ورؤى وممارسات ، إكراما لمفكر أو أديب أو فنان ، والتحويل إلى مؤسسات إبداعية ومبدعة ،

بقلم / علي المقرحي

شاهد أيضاً

المنفي يبحث عودة السفارة الصينية واستئناف عملها بطرابلس

  ناقش رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، عودة السفارة الصينية واستئناف عملها بالعاصمة طرابلس. جاء …