منصة الصباح

يا غارة الله جدّي السير مسرعةً

 

بقلم / أحمد الرحال

سألت صديقا عن جمع الغدير في اللغة فقال: الغُدْران، بضم الغين. لكن المعاجم تقول إن جمع غدير يمكن أن تكون غُدر أيضا، بضم الدال وبسكونها أيضا.

لكنك حين تكتب كلمة غدر بلا تشكيل قد تكون جمع غدير وقد تكون بفتح العين وسكون الدال وتعني الخيانة.

خطر لي التفكير في جمع الغدير على غُدْر، بضم الغين وسكون الدال، وفي كلمة غَدْر، بفتح الغين، منذ ليلتين تقريبا حين سمعنا أصوات الرعود في السماء وهطول المطر. أصوات الرعود اختلطت بأصوات القذائف. القذائف التي نزلت على بيوت آمنة في طرابلس لتدمرها وتقتل من فيها من أطفال ونساء وشيوخ ورجال، والتي أصابت سيارات إسعاف ومسعفين.

تبا للمصائب حين تختلط مع المياه التي تعيش بها الحياة، وحين لا تعرف ماذا تسمع، هل تسمع أصوات رعد تجلب المطر أم تسمع أصوات قذائف تمطر ويلات على الناس. أما في طرابلس فتزداد العقدة حين تكون الأمطار مصيبة أخرى تعطل الحركة وتتحول المياه النازلة من السماء إلى لون أحمر إذا اختلطت بالدم السائل بسبب غدر القذائف المعتدية على الناس.

في طرابلس تثير الامطار اللون الأحمر فيغزو الأرض، بينما في الدنيا تنزل المطر لتهتز الأرض وتنبت العشب والشجر فتتزين الأرض باللون الأخضر.

خرجت بعد تلك الأفكار من بيتي كأنني أبحث عن حقيقة تختلف عما فكرت فيه وما خطر لي. فإذا بالقمامة والمطر والمياه والبرك والسيارات في تناغم يجمع بين رعب مألوف وشعور بانتعاشٍ خجِل، فرأيت في وجوه من قابلتهم في الطريق حيرة بين واقع صعب وأمل لم يتحقق. حتى المطر الذي كان يجب أن يغسل الدنيا بسياراتها وأرضها وأشيائها صار سببا في التشوه العام في الظاهر وخوفا مختفيا في النفوس وهلعا يسكن القلوب. وكأنك تسمع نداءات استغاثة مكتومة تستجدي رحمة من الواقع. نداء يجعل المشاعر تبتعد عن الأنس برحمة الله التي يحاربها بشر وكأنهم يحاربون الله فيما ينزل من نعم من السماء.

المعتدون على طرابلس لم يتوقفوا عن ضرب كل ما يستطيعون الوصول إليه بقذائفهم، ويصل اعتداؤهم إلى محاربة إيمان الناس برب السماوات الذي يرسل الغيث ليكون غيثا لا ليكون ويلات ترهب الناس وتدمر حياتهم.

الغارات الجوية التي يصنعها الانسان تجتمع مع من يحاربون الله في قتل عباده بإفساد النعمة التي تنزل من السماء لتزداد العقدة وتشتد الأزمة وتتراكم المصائب، فهل هي اللعنات أم هو الابتلاء؟  في تلك الأثناء تخيلت عجائز وأطفالا يلهجون بالدعاء حتى كأنني صرت أسمع صوت ذلك الصوفي حين يقول: يا غارة الله جدي السير مسرعة .. في حل عقدتنا يا غارة الله. وتذكرت نداء سيدنا لوط عليه السلام حين جاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيات، حين قال لوط خشية الخزي: «أليس فيكم رجل رشيد؟».

شاهد أيضاً

فئة الخمسين… وحال المساكين

باختصار بقلم د. علي عاشور قبل أيام انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي صور لقرار خازن …