منصة الصباح

تواطؤ اللغة عصف بالمرأة أم إنحاز للرجل …؟

لبنى بن عبد الله

بغيّ لفظ لم يتأنى معجم اللغة عن رسم حدود له فقد تبحر واتسع في وصفه، فهي المرأة الفاجرة التي تتكسب بفجورها،والتصقت صفة البغي بالنساء، ولم يختلف مفهوم المومس عن مفهوم البغي فهو يشير إلى المرأة التي تميل لمريدها ، والمومسات هن اللواتي يفجرن مجاهرة ، وأما الدعارة، فتعني الفسق والفجور والخبث، والمرأة داعرة أي فاجرة، فهذا هو الحقل الدلالي للبغي والبغاء في لسان العرب.[1]

طامتنا الكبرى أن هنالك تحيزًا جندري على حسب النوع الإجتماعي للإنسان لايمكن اسدال الستارعنه حتى مفهوم بغي تم إلصاقه بالنساء حصرا فلا يقال رجل بغي أو رجل مومس فقد جرى إلحاق هذا الوصف بالمرأه فقط من غير شمولية واكتسى هذا المفهوم تحيزا جندريًا صادمًا رغم عدالة النص الديني في هذه المسألة فهو يرقى إلى عقاب الزاني والزانية…

كما إلتبس هذا المفهوم بدلالة سلبية حينما يتصل بالمرأة ، بينما تتلاشى هذه الدلالة تقريبا حينما يتعلق الأمر بالرجل، إلى غير ذلك ، وببالغ الأسى إنحازت اللغة بعمى إلى صف الرجل ، وبإسقاط كل هذا إنعكس هذا على الواقع وعلى الثقافة الإجتماعية، فبمجرد ما يطرأ على ذهنك لفظ بغاء أو دعارة جل مايستحضره وعيك وينصب عليه تركيزك عليه هو المرأه دونما سواها، إلى درجة يخيّل فيها إلينا أن المرأة تمارس الفجور بصورة أحادية ، وأنه لا وجود للرجل كطرف مقابل في المعادلة .

كانت البغي في فترة من فترات التاريخ رمزًا مقدسًا لإرتباطها بقوى الخصوبة وإن دل ذلك على شيء فهو يدل على كون الأنثى القوة المعتمد عليها لتمد الكون بالحياة

وفي سياق متصل أثرى إبراهيم محمود في كتابه “الضلع الأعوج” في الحديث عن المنظور الذكوري المسيّس، والعقل الأبوي التبريري الذي يؤلّف أحداثه، ويركّب تاريخه، ويختار منه ما يتفق و ذكوريته، مهمّشًا الأنثى؛ إذ “قدمت لنا النصوص أسطورية وغير الأسطورية المرأة بوصفها فاجرة متهتكة. والفجور، كما يبدو، هو أن تمنح نفسها لأيّ كان. والمرأة الفاجرة هي الفارجة، هي التي تفرج ما بين فخذيها، مسلّمة فرجها للآخر، فيقوم الآخر بهتكها متلذّذًا بجسدها. وباعتبارها جسدًا مجوفًا، هو مجال للّذة، وفضاء للشبق، وإطار للمتعة فقط”[2].

فقد جرى تحوير النصوص ومسخ التاريخ واقتصاص واجترار بشكل إنتقائي مايتوافق مع منظور وأهواء الرجل ، الذكر الذي وضع نفسه في مصاف الآلهة ، وجعل من المرأه بضاعة وكأنها سلعة مسيرة فقط لخدمته وتلبية شروط متعته ، فجردها من كل الأدوار السامية التي خلقت لها ،وأبقى على الدور الذي إرتضاه هو لها ، فاختلت كفة الميزان وساد العبث والظلم الجندري بتفضيل جندر على حساب الآخر حتى رجحت كفة الأول على الآخر وبالتالي ساد الظلام وجراء ذلك برز تفوقه مقابل دونيتها …

إن تحويرًا جسيما كهذا فرضته العقلية الذكوريه قد لحق بما كانت تقوم به المرأة ، بيد أنها كانت تتميز بالسخاء في الإغناء الجنسي متماهية مع الطبيعة ، ومساعدة في اخصاب الطبيعة ، وفي اعطاء الحياة ، ومحررة الذكر من قوة جامحة مسيطرة عليه ، حولها الرجل إلى هامش أو أبعد من الهامش  ، ثم بدأت اللعبة لتغيير بقية المفاهيم ولزعزعة ركائز ذاتية المرأة ، ليصبح المتن رجوليًا ، ليصبح الممثل الأول والوحيد للمركزية الكونية الإنسانية ، ولم يكتفي بذلك … فتلاعب بالألفاظ لخلق معنى مغاير وامرأة مغايرة تفنن العقل الذكوري في ايجادها مجردًا إياها من مزاياها وواضعا إياها في محك الدلالات إلى كل ماهو دوني …

فعشتار العاهرة الحنون وراعية البغاء المقدس الذي كان يدخل في إطار المشاركة في تجديد دورة الحياة، وإخصاب الطبيعة، والبغي التي علمت أنكيدو أصول الإنتماء إلى الحياة الأفضل، والارتقاء في سلم الحضارة، وصورة حواء التوراتية، كلها كانت شخصيات فاعلة، ثم ما لبثت أن دفعت ثمن ذلك تهميشًا، وتشويهًا، لتصبح دالة على الفجور والهتك[3].

لطالما كانت لشخصية البغي بعد آخر تاريخيًا غير البعد المعهود الآن إجتماعيًا فكانت في مرحلة تاريخية مقدسة شيئًا مقدسًا عظيمًا قريبًا للألوهية رمزًا للعطاء المتدفق لإرتباطها بالقوى الإخصابية كونها القوى التي تقوم عليها الحياة ، ومن يتمعن في عملية البغاء ، فلا بد له أن يلاحظ أن الاكثر قيمة هي الأكثر تعريضًا لجسدها للآخرين ، معبرة بذلك عن رمز القوة وعن مفهوم الإنفتاح الطبيعي … فالمرأة القوية هي التي تواجه الآخرين وهذا التقابل الموجه يؤكد التحريف الثقافي للمعنى والدلالة؛ أي عندما تحتكر القوة رجوليًا/ذكوريًا، ومن جهة أخرى، عندما تمنح قيمة تشخيصية تصويرية قمعية، وهي أن كل امرأة تتظاهر بالقوة تصبح بغيًا. وهذا يعني تحذيرًا؛ أي ضرورة أن تبتعد المرأة عن استعمال القوة”[4].

وهنا نقف إزاء إشكالية تحققها اللغة بوضوح كبير لتمارس تمييزًا فجًا على قاعدة الجندر/ الجنس فتتداعى جملة من التساؤلات حول العوامل الموضوعية التي وقفت وراء عملية وصم الممتهنات لمهنة البغاء أو حتى من نأين بأجسادهن عن شروط الإملاء المجتمعي ، هل هيمنة الرجل الأبوية على مقادير الدولة والمجتمع خوّلت له العبث بمجرى اللغة والتلاعب بدفة التاريخ ؟ كيف تعاطت اللغة والثقافات القديمة مع هذه الحساسية؟ ان الالتباس الذي أوقعتنا فيه معاجم اللغة أنتج لنا مجتمعات تستسهل تبرير الخطايا وتنتقي ما يتوافق مع أهوائها حتى وإن تداخلت المآخذ في بعض المراجع

إن اللغة وعاء ناقل جسّر الفجوة بمعناها الفظ حيث انحازت اللغه بشكل شنيع واختارت عدم الشمولية في اللفظ فكانت ذكورية بامتياز حتى خضعت اللغة لحكم الذكورية وانصاعت للأبوية المطلقة واختارت الانتقاص من النساء بوصمهن بأحط الألفاظ سوءا ومعيبة وتحصين الذكور لغويا ومجتمعيا لا لشيء الا لكونه الجندر الأسمى  في مجتمع ابوي ذكوري تحكمه قيم عمياء لا سند منطقي لها لا في الشرائع ولا القوانين سوى التخلف والعهر الفكري العقيم .

هل تحيزت كل اللغات الأخرى مثلما إنحازت العربية للذكورية وللسلطة الابوية ووصمت النساء بلفظ يعنى به الانتقاص والدونية ؟

لقد لعب التاريخ دورا محوريًا في الاجابة على هذا التساؤل فقد كانت الأمم والحضارات السابقة خير مثال، أثرتنا الحضارة البابلية في طقوسها فإستوقفتنا عند طقس البغاء المقدس الذي عد من أعظم الطقوس التي كانت تشهدها تلك الحضارة حيث قال «»إدوارد ويسترمارك في موسوعته «تاريخ الزواج- دراسة أنثروبولوجية»، التي ترجمها كل من الدكتور مصباح الصمد والدكتور صلاح صالح وهدى رطل، إن المؤرخ هيرودوتس ذكر أن كل امرأة في بابل كانت مجبرة على الجلوس مرة في عمرها في فناء معبد ميليتا أي عشتار أو عشتروت، وتسليم نفسها إلى غريب هناك. ولا يجوز للمرأة الجالسة في الساحة، العودة إلى منزلها قبل أن يرمي غريب في حضنها قطعة فضية من أي فئة كانت، ثم يصحبها إلى خارج الفناء المقدس. ولا يمكنها أيضاً رفض القطعة الفضية أبداً لأنها تصبح مقدسة لحظة إلقائها. كانت المرأة تذهب بصحبة أول رجل يرمي لها بقطعة النقود، ولا يحق لها أن ترفض أحداً، وبعد أن تذهب برفقته، وتكون بذلك أرضت الآلهة، تعود إلى منزلها. ومنذ تلك اللحظة، لا يمكن لأي أعطية مهما بلغت قيمتها أن تؤثر عليها أو تغويها. وأشار ويسترمارك إلى وثائق تضمنتها «أنشودة إرميا»، التي يبدو أنها كتبت عام 3000 قبل الميلاد بيد شخص واسع الإطلاع، يقال فيها: «تجلس نساء بابل على قارعة الطريق مقيدات بالحبال وهن يشعلن نشارة بدل البخور، وعندما يمر عابر ويختار إحداهن ليضاجعها، تبدأ بتوبيخ الأخريات لأنهن دونها قيمة ولأن حبالهن غير محلولة”.””[4]

وكل هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن اللغة كانت تصنف البغاء باعتباره سلوكًا مقدسا وانها لم تربط البغاء من ناحية المعنى في قاموسها بشكل تراجيدي على أنه عنصرًا سلبيًا شائن السلوك وأن ممتهناته سيئات الصيت بالضرورة إنما كانت اللغة في مرماهم فقد أثنت عليهم بصورة حسنة الجزاء ووقرتهم ورفعت من منزلتهم الإجتماعية …

في ظل الإنتهاكات الشرسة التي تقوم ضد النساء في واقعنا الشرقي وفي ظل الصمت الأزلي والعيش في دوامة النكران إنطلت علينا مقولات كذب قائلها كاذب مشبوه في صحته العقلية منها المرأه درة مكنونة وزهرة مصونة وحلوى مغلفة مستورة حتى أصبحت المرأة لا ترى الا من خلال ثقب إبرة كل ذلك حتى لا يطلق عليها لقب البغي وإن تجردت من ثقب الإبرة تلقب بعاهرة بغي مارست البغاء والعري أنها عقلية الشرقي ياسادة … ويا ليتها تقف عند هذا الحد فهو يغلف ويسجن ويقتل ويحرق نسائه سواءًا كانت زوجته او أمه أو أخته  بينما هو على المقلب الآخر يتسكع ويستعهر مع الغواني والعاهرات ومع إنجلاء الليل ساتر الخطايا وانكشاف الصباح لا يأيلوا جهدا لينافق نفسه ويصب جام لعناته عليهن ويصفهن بأقذع الصفات فيصبح الرجل المحافظ تقي الله صباحًا، وليلا يضرب به المثل في صيد بائعات الهوى رجل يتلون تبعًا لأحوال الطقس وتبعا لأوضاعه المادية ولحالة زوجته النفسية نهارًا يلبس عمامه فقيه وليلا يصبح صعلوكاً سفيه شخصية مركبة من عدة شخصيات مواصفات لذكوري بإمتياز .

شاهد أيضاً

بحضور المدير التنفيذي للمؤسسة الوطنية للإعلام: اختتام الدورة التي اقامتها هيئة الصحافة في مجالات الادارة الحديثة

اختتمت اليوم الخميس 21 نوفمبر بالهيئة العامة للصحافة الدورة التدريبية التي نظمتها الهيئة العامة للصحافة …