منصة الصباح

بين‭ ‬الخيانة‭ ‬ومبرراتها

كاميرا‭ ‬خلفية

بقلم /أحمد‭ ‬الرحال

طلب‭ ‬مني‭ ‬صديق‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬أن‭ ‬أحضر‭ ‬صالونا‭ ‬ثقافيا‭ ‬لكي‭ ‬يكون‭ ‬لي‭ ‬فيه‭ ‬دور‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬مسألة‭ ‬لي‭ ‬فيها‭ ‬بعض‭ ‬الخبرة،‭ ‬ولكن‭ ‬قبل‭ ‬الموعد‭ ‬بيومين‭ ‬تقريبا‭ ‬التقيت‭ ‬صديقا‭ ‬آخر‭ ‬فنصحني‭ ‬بألا‭ ‬أذهب‭ ‬إلى‭ ‬اللقاء‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬أضطر‭ ‬إلى‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬المسألة‭ ‬المطلوب‭ ‬مني‭ ‬الحديث‭ ‬فيها‭ ‬خوفا‭ ‬عليّ‭ ‬من‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬مشكلة‭ ‬أمنية‭. ‬المسألة‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬الحساسية،‭ ‬لذلك‭ ‬أخذت‭ ‬بنصيحة‭ ‬صديقي‭ ‬واعتذرت‭ ‬إلى‭ ‬صديقي‭ ‬الذي‭ ‬دعاني‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬صديقي‭ ‬الناصح‭ ‬سألني‭ ‬بعض‭ ‬الأسئلة‭ ‬عن‭ ‬المسألة‭ ‬المذكورة،‭ ‬وناقشني‭ ‬فيها‭ ‬بشكل‭ ‬فيه‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬التوسع‭. ‬وبعد‭ ‬اللقاء‭ ‬كانت‭ ‬المفاجأة؛‭ ‬فقد‭ ‬علمت‭ ‬أن‭ ‬صديقي‭ ‬الذي‭ ‬نصحني‭ ‬بعدم‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬اللقاء‭ ‬والذي‭ ‬حذرني‭ ‬بالابتعاد‭ ‬عن‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المسألة‭ ‬في‭ ‬الصالون،‭ ‬ذهب‭ ‬هو‭ ‬بنفسه‭ ‬وقدم‭ ‬نفسه‭ ‬كخبير‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭. ‬بعد‭ ‬شهور‭ ‬التقيت‭ ‬بعض‭ ‬الأصدقاء‭ ‬فسألني‭ ‬أحدهم‭ ‬عن‭ ‬شيء‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمسألة‭ ‬نفسها،‭ ‬لكن‭ ‬المفاجأة‭ ‬الأخرى‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬الجالسين‭ ‬قال‭ ‬له‭ ‬إن‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬يمكن‭ ‬الاستفادة‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬فلان،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬الصديق‭ ‬الناصح‭. ‬فكرت‭ ‬في‭ ‬مفردة‭ ‬أصف‭ ‬بها‭ ‬صديقي‭ ‬الناصح،‭ ‬هل‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬خيانة؟‭ ‬أم‭ ‬ذكاء؟‭ ‬أم‭ ‬لؤم؟‭ ‬أم‭ ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬صادقا‭ ‬معي‭ ‬لأنه‭ ‬نصحني‭ ‬وضحى‭ ‬هو‭ ‬بنفسه‭ ‬وتحدث‭ ‬نيابة‭ ‬عني؟‭ ‬الأدهى‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬أن‭ ‬الصديق‭ ‬الناصح‭ ‬صار‭ ‬يستعرض‭ ‬أمامي‭ ‬قدراته‭ ‬على‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المسألة،‭ ‬وصار‭ ‬يكثر‭ ‬الحديث‭ ‬فيها‭ ‬حتى‭ ‬شعرت‭ ‬بأنني‭ ‬ظلمته‭ ‬وأنه‭ ‬فعلا‭ ‬يفقه‭ ‬فيها‭ ‬وربما‭ ‬أحتاج‭ ‬أنا‭ ‬إلى‭ ‬التعلم‭ ‬منه‭ ‬أكثر‭. ‬بعد‭ ‬زمن‭ ‬تحول‭ ‬اهتمام‭ ‬صديقي‭ ‬الناصح‭ ‬إلى‭ ‬شيء‭ ‬آخر،‭ ‬فاتصل‭ ‬بي‭ ‬طالبا‭ ‬مني‭ ‬أن‭ ‬أشاركه‭ ‬في‭ ‬نشاطه‭ ‬الجديد‭ ‬بالمسألة‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬لي‭ ‬فيها‭ ‬بعض‭ ‬الخبرة،‭ ‬وحين‭ ‬قلت‭ ‬له‭ ‬إنك‭ ‬أنت‭ ‬الخبير‭ ‬بها‭ ‬قال‭ ‬إنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يجد‭ ‬لها‭ ‬وقتا‭ ‬لكنه‭ ‬سيساعدني‭ ‬حين‭ ‬أحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مساعدته‭. ‬أذكر‭ ‬مرة‭ ‬كنا‭ ‬في‭ ‬خيمة‭ ‬عزاء‭ ‬وكنا‭ ‬نستمع‭ ‬إلى‭ ‬درس‭ ‬من‭ ‬شيخ‭ ‬وكان‭ ‬الحضور‭ ‬يسألونه،‭ ‬لاحظت‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬الحضور‭ ‬كان‭ ‬قلقا‭ ‬وينظر‭ ‬إلى‭ ‬الشيخ‭ ‬بطريقة‭ ‬مريبة‭. ‬عندما‭ ‬أنهى‭ ‬الشيخ‭ ‬حديثه‭ ‬قال‭: ‬هذا‭ ‬والله‭ ‬أعلم‭. ‬فقال‭ ‬ذلك‭ ‬الشخص‭: (‬هذي‭ ‬صح‭ – ‬الله‭ ‬أعلم‭). ‬ففهمنا‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يود‭ ‬الحديث‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬الشيخ‭.‬فقال‭ ‬له‭ ‬الشيخ‭ ‬‮«‬وكان‭ ‬باديا‭ ‬عليه‭ ‬أنه‭ ‬يعرفه‮»‬‭: ‬تفضل‭ ‬يا‭ ‬فلان‭ ‬تكلم‭ ‬أنت‭. ‬فتحدث‭ ‬ذلك‭ ‬الشخص‭ ‬وكرر‭ ‬معظم‭ ‬كلام‭ ‬الشيخ،‭ ‬وكان‭ ‬الشيخ‭ ‬يبتسم‭ ‬ابتسامة‭ ‬خفيفة‭.‬حين‭ ‬يكون‭ ‬الحسد‭ ‬على‭ ‬أشياء‭ ‬فكرية‭ ‬أو‭ ‬علمية‭ ‬أو‭ ‬معرفية‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬الأمر‭ ‬هينا،‭ ‬لكن‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬الحسد‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المال‭ ‬الكثير‭ ‬أو‭ ‬الحكم،‭ ‬هنا‭ ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬القتل‭ ‬وتكون‭ ‬الخيانة‭ ‬وتكون‭ ‬التبريرات‭ ‬الاعتداءات‭ ‬وقد‭ ‬يصحب‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬كذب‭ ‬كثير‭ ‬معروف‭ ‬أنه‭ ‬كذب‭ ‬ولكن‭ ‬كثرة‭ ‬تكراره‭ ‬قد‭ ‬تقنع‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الناس‭. ‬وقد‭ ‬يصل‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬استحلال‭ ‬الغدر‭ ‬والخيانة‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬توقف‭ ‬الاعتداء‭ ‬والدفاع‭. ‬إنها‭ ‬سلسلة‭ ‬تجر‭ ‬بعضها‭ ‬بعضا‭

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …