التقته : نيفين الهوني
ضيفنا اليوم هو شاعر ليبي وكاتب مسرحي يعد رائد المسرح الشعري بمسرحيته الشعرية الأولى « الموت أثناء الرقص» ومسرحية عفـوًا تكلم الآن ومعزوفة الكبرياء الحائزة على جائزة أفضل نص فى مهرجان المسرح التجريبي الثاني بالبيضاء عام 2003م وطوفان الأطفال أو الزفاف وفازت أيضا بالجائزة الاولى في مسابقة التأليف المسرحي على مستوى ليبيا عام 1989م وفى انتظار غودو والجســر ـكما صدرت له العديد من الكتب والدواوين التي اثرت المكتبة الأدبية الليبية منها: تراكم الأمــور الصعبة ـ 1976م وبكائية جالبة المطر ـ 1983م وعندما صمت المغنى ـ 1997 و مرثيـّـة مرائـيه ـ 1998م ومن المجموعة الشعرية لعبدالحميد بطاوـ 2009م واشـجان هذا الزمان ـ مجلس تنمية الابداع ـ 2010م وباللهجة المحكية موش عارف كــيف عام 2007م وعود حسـبتـك ـ عام 2012م ومختارات من شعرى العامي 2018م ومازلت ناهونا ـ مع شعراء آخرين ـ 2013م وتــحت الطــبع أين هم الآن هو الشاعر عبدالحميد بطاو ابن مدينة درنة الذي اهدى الشعر أكثر من أربعين عامًا من عمره منذ اول اصدار له عام 76 حتى اليوم حيث ترجم من خلاله وقائع وأحداث محلية وعربية وعالمية تركت فينا أثرًا فماذا قال وكيف كان بوحه
صدر للشاعر والمسرحي الليبي «عبدالحميد بطاو» عن دار الفكر العربي للنشر، ديوان بعنوان «أين هم الآن؟» السؤال البديهي من هم؟ ولما كتبت لهم على غلافه عبارة «لست متشائمًا.. ولكن هؤلاء الطيور الجارحة اغتالوا فرحتنا واختفوا فجأة)؟
قبل كل شيء لم يصدر هذا الديوان حتى هذه اللحظة وكانت هناك محاولة لنشره ولم تنجح (سلمته أخيرا لوزارة الثقافة ليصدر ضمن مطبوعات وزارة الثقافة) وسأجيب احتراما لسؤالك حول من هم هؤلاء الذين أقول عنهم «أين هم الآن…؟» هم أولئك الليبيين الذين تقاطروا علينا من كل عواصم أوروبا وتحمسوا لنجدتنا والأخذ بيدنا في أول أيام الثورة ثم اختفوا بعد أن أزموا كل أمورنا ولعل هذا يفسر المقدمة التي اقول فيها لست متشائمًا….. الخ (لابد من قراءة القصيدة لأنها تشرح نفسها ككل قصائدي)
رغم حديث الكل وتصريحاتك في حوارات سابقة بأنك من مضطهدي النظام الا أن سيرتك الذاتية ذكر بها أنك شاركت مهرجان المربد بالعراق لأربع مواسم بمدينة بغداد من العام 1987 وحتى 1999، ومثَّلت ليبيا في مهرجانات شعرية بكل من تونس والمغرب والقاهرة والجزائر، وفزت بجائزة الدولة التقديرية العام 2010، والجائزة الأولى في أكبر مسابقة للتألف المسرحي في ليبيا العام 1987، وفازت مسرحيتك «معزوفة الكبرياء» بجائزة أفضل نص بمهرجان مسرحي بالبيضاء، وكُرِمت بطرابلس وبنغازي والبيضاء ودرنة كيف ذلك؟
لم يكن ذلك من أجل سواد عيوني «كما يقولون» ولكن منجزاتي الثقافية هي التي أعطتني هذا الحق (لن استعرض الآن ما عانيته) ولكنني وعلى مدى اربعين عامًا وأنا أكتب الشعر بالفصحى والعامية لم اكتب أي شطره أمجد فيها السلطة بل كانت كل قصائدي (استفزازية) وتجسد مواقفي (وهذا سر حيويتي انه تواؤمي مع نفسي) ونعم حضرت أربع دورات لمهرجان المربد الشهير بالعراق وشاركت في وفود مثلت فيها بلادي إلى كثير من الدول وشاركت في كل مهرجانات الحرية داخل ليبيا ولكن يبقى الفيصل ( ما نوع مشاركاتي وأي قصائد اقولها بهذه المشاركات «وأنا القى شعرى من الذاكرة دائمًا» ونعم كرمت في اغلب مدن ليبيا وهذا شرف ازهو وأعتز به كما كرمت بجائزة الدولة التقديرية عام 2010م وقد اعطيت لكثيرين وانا استحقها ( واقسم إنني لم اسع إليها) اما جوائز المسابقات والمشاركات فهي (بحكم جودة بضاعتي ولا شيء غيره) نعم نلت الجائزة الأولى في مسابقة التأليف المسرحي عام 1989م على مستوى ليبيا وهذا بفضل النص المسرحي الشعرى الذى شاركت به في هذه المسابقة كما تحصلت على جائزة (أفضل نص) في المهرجان التجريبي الثاني بالبيضاء عام 2003م (لم استلم القيمة النقدية للجائزة ولا اعلم دخلت أي جيب) ختامًا كثيرون اتهمونى تهمًا كثيرة حول هذا الموضوع وما يعنيني هو ما قلته في قصيدتي (الكيمياء)
كلنا نستطيع خداع الكثير من الناس
لكننا حينما نختلي وحدنا
هل ترانا نجيد الهرب
يا الله كم هي قاسية لحظة اختلائنا بأنفسنا ومواجهتنا لها ولكنها بالنسبة لي لحظة رائعة لأنني لم افعل ما يجعلني اخجل من نفسى أو أهرب منها طوال كل السنوات القاسية التي استنزفت روحي أعيد ( لن أذكر متاعبي فهي مذكورة في سيرتى التي صدرت عن دار الرواد تحت عنوان ( من تجليات الذاكرة)
كل منـا له أسلوبه الخاص الذي يميزه.. نتأثر بعمالقة الكتابة.. نقرأ لهم بشغف. ترى بمن تأثرت في بداية الطريق.. وأي أنواع الكتابات التي تروق لك … وأي الكتاب الذين تحرص على القراءة لهم…؟؟
قبل كل شيء اقسم (أننى لم افرح بالحصول على الشهادة الاعدادية) وتحصلت على الابتدائية عام 1959م ولكن كنت نهمًا للقراءة حتى الهوس وفى الستينيات كانت الفرص متاحة من مكتبات عمومية وصحف ومجلات وغير ذلك من وسائل الثقافة وكنت تأثرت بالكثير من الشعراء من المتنبي حتى السياب مرورًا بإيليا ابوماضى والرصافي وشوقي وحتى أمل دنقل ومن حقي ان ازهو وافتخر أننى ربما الشاعر الليبي الوحيد الذى قدمت في شعره ( أكثر من خمس رسائل ماجستير بجامعات مختلفة ورسالة دكتوراه بجامعة عين شمس بالقاهرة) ولدى نسخ من كل هذه الرسائل وحضرت مناقشة بعضها.
صدر لحضرتك العديد من الدواوين منها «تراكم الامور الصعبة» «بكائية جالبة المطر»، «عندما صمت المغنى» ،« مرثية مرائيه»، «اشجان هذا الزمان»، وأيضا مجموعة من المسرحيات الشعرية منها « الموت اثناء الرقص» ، «الجسـر» ،«الزفاف يتم الآن»،« مسرح بطاو الشعرى»، كما صدرت له دواوين شعر محكي هل لازال لديك مخطوطات لم ترى النور بعد؟
وللمرة الثانية ربما الليبي الوحيد الذي أصدر بضاعة أدبية بكل هذا الحجم وكل هذا التنوع فقد صدرت وطبعت ووزعت لي ما يلى خمس دواوين بالشعر الفصيح ـ صدرت ونفدت وثلاث دواوين بالشعر العامي والمحكي ـ صدرت ونفدت اكثرها وثلاث مسرحيات شعرية منفردة ـ صدرت ونفدت ومسرح بطاو الشعرى ـ يحتوي على ثلاث مسرحيات شعريه ـ صدر ضمن مطبوعات وزارة الثقافة والآن استلمت منى وزارة الثقافة آخر دواويني الذى لم يصدر بعد وهو بعنوان (أين هم الآن…؟) الذي بدأنا به لقاءنا هذا
زخم إبداعي وغزارة انتاجية ولكن بين المحكي والمغنى والفصيح والمسرح بين الكبار والصغار أين تجد نفسك أكثر ولمن تحب أن تكتب؟
كانت بدايتي وأنا صبى ــ بمحلة الجبيلة بدرنه ــ بالشعر العامي واغلبه كان هجاء وفكاهي وبعضه عاطفي وحينما أتخمتني القراءات واستنزفتنى المعاناة بدأت كتابة الشعر الفصيح وكان مولودي البكر ديواني ( تراكم الأمور الصعبة) وتتالت الدواوين والاصدارات بعده وكنت اجد نفسى في أشعاري التي تفجرها المواقف وبعدها صرت استمتع بكتابة المسرحيات الشعرية التي جعلتني أذوب مع حوارات أبطال هذه المسرحيات أما لمن أكتب فقد وجدت الاجابة على هذا السؤال في هذه المرحلة من عمرى بعد ان تجاوزت الستين وجدت الكثير من الدفء حولي والامتنان حينما اسمع من يردد أشعاري بمتعة التذوق التي كنت احلم ان اوصلها لكل الناس اكتب لكل طبقات المجتمع بدون تحديد واشعر بسعادة لاحد لها حينما اشعر ان إبداعي يصل الى حيث اريد له
هل ترى أن حال المبدع الليبي قد تغير بعد 2011 وبرأيك لما؟ وهل كنت تتوقع أفضل أم أن الواقع مقنع؟
اقول لك هذا المجتمع الليبي عاش أكثر من أربع عقود وهو من أهل الكهف يدسه (القائد) تحت جلابيبه المزركشة وليس من السهل ان يتغير ما بين يوم وليله وكذلك كتابه ومبدعيه.
مؤسسات كثيرة ومسميات أكثر وانتاج فياض كما يقولون – رغم أني لا أراه – وعناوين رنانة لإصدارات تشارك كل عام في معارض عربية أين حضرتك منهم؟ وهل حقا كل ما يطبع يستحق؟ وإن لم يكن كذلك أين يكمن الخلل؟
اقول لك صرت لا أحفل كثيرًا بالإصدارات الجديدة في الشعر والنثر والروايات وغير ذلك من اصناف الادب لأنها اصوات مكررة ومقلدة (قد اكون منهم) وفى الفترة الأخيرة صرت اطبع كتبي على حسابي الخاص وادخلها من الجمارك بتحايل واستعطاف واعرضها بنفسي احيانًا حتى في دكاكين البقالة بمدينتي (وخاصة دواويني العامية)
يقال إن الشبكة فتحت المجال أمام نشر الإبداعات الأدبية بشكل أوسع، فيما يقول آخرون إنها أصبحت مركز نفايات لكل النصوص الرديئة والاسماء الباحثة عن الشهرة، كيف تري أنت هذا الامر؟ وكيف كان انفتاحك على العالم الالكتروني وهل ساعدك في اختصار الوقت وطي المسافات؟
الشبكة العنكبوتية وجدت فيها سلوتي وملأت اوقات فراغي خلال تقاعدي وعرفتني بالكثير وأوصلت أشعاري الى أماكن لم أكن أحلم أن تصل إليها بفضل الاصدقاء كما قمت بطباعة اكثر من ديوان شعر وانا في بيتي بدعم مادى من الاصدقاء امثال الصديق عاشور بوراشد والمستشار على المجبري والصديق محمود شمام وكانت أمنيتي أن أصدر (سيرتى الذاتية) في كتاب وقد تحققت هذه الامنية حيث صدرت في مطبوعة عن طريق دار الرواد دفع تكلفة طباعتها الصديقين عاشور بوراشد والصديق الذى لم التق به الا من خلال الفيس الصديق المستشار على المجبري من بنغازي بارك الله فيهما
ما هو جديدك؟ وماذا ستهدي القراء من عطر كلماتك هنا؟
عن جديدي فهو ديوان استلمته وزارة الثقافة بعنوان (أين هم الآن) لعله سيصدر ذات يوم ووسط كل هذا الزيف المحيط بنا لا أجد ما اختم به حواري هذا سوى مقطوعة من أشعاري تقول:
كل شيء يعود إلى أصله حينما ينصهر
فلماذا العجب
كل مسخ يحاول أن يتمازج في غيره
يتأقلم حسب الظروف وحسب الطلب
غير أنه في لحظة الاختبار الرهيب
وحين تـُهزّ افــروع
سيبقى الصحيح صحيحًا
ويسقط من كان يخفى العـطب
كلنـا نسـتطيع خداع الكثير من الناس
لكنـّـنا
حينما نخـتلى وحـدنا ونواجـه أنفسـنا
هل ترانـا نجــيد الهـرب
بـعض هـذى المعـادن فيه بريق مثير
فهل يقـنع الناس مثل الذهــب