د.علي المبروك ابوقرين
إن النظم الصحية الحالية تعتمد على الرعاية الصحية التفاعلية التي تستنزف أكثر من 75% من الإنفاق على الأمراض المزمنة والتي تشكل أكثر من 70% من الوفيات ، في الوقت الذي بالإمكان الوقاية منها أو من جلها أو ادارتها بسهولة ، وكذلك تعتمد الرعاية الصحية التقليدية على الكم والحجم والتكلفة ، ولا تعتمد على القيم والنتيجة
، ونظرا للتطور التقني والتكنولوجي في الأجهزة الطبية التشخيصية والعلاجية وكذلك التطورات المتسارعة في تقنية المعلومات والاتصالات والتطبيقات والمنصات المختلفة ، كل هذا انعكس على ثورة في الخدمات الصحية ، وآلتي أصبحت ترتكز على الأنسان الفرد وعلى مشاركته الفعلية ، وجعله محور للخدمات الصحية ، وساعدت في تطور الخدمات من نظام رعاية صحية استشفائية تفاعلية تقليدية في مباني تفتقد للميكنة ، وتعتمد على انتقال المريض اليها ( ومالها وما عليها ) ، الى مستشفيات رقمية تستخدم السجلات الطبية الالكترونية ، ومنها الى مستشفيات متكاملة بين بعضها وتنتقل فيما بينها المعلومات والبيانات الطبية للمرضى بانسيابية وسهولة ويسر ، وتتيح فرص الاستشارات الطبية المختلفة والمتاحة في هذه المنظومات المتصلة ببعضها ، وتحولت الخدمات الى مرحلة جديدة متطورة باستخدام التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي والمنصات الرقمية المتعددة والشاملة ، والمندمجة التي تتوحد من خلالها بيانات ومعلومات المرضى ، بدء من الشخص محور الارتكاز والتركيز حيثما وجد وكان في اي مكان وفي اي عمر ، مما أوجد تحولًا جذريا في نظم الرعاية الصحية ، والاهتمام المتزايد بالخدمات الصحية الإستباقية والوقائية ، لمًا للدور الذي تقوم به التكنولوجيا في علوم الأجنة ( علوم الجينوم ) والتي تسمح بالتسلسل الجينومي للشخص لتشخيص الأمراض الوراثية والأمراض النادرة ، والعلامات الحيوية وترجمة الأعراض وتوصيف الحالة المرضية بالمساعدة الاكترونية والتقنيات الذكية ، وتقدم توصيات تفصيلية مبنية على الادلة للتشخيص بتحليل الصور الطبية والبيانات المعملية ، وتوصيف العلاجات ، واتيحت المراقبة المستمرة التي اتاحتها تقنيات الطب الاتصالي والأجهزة القابلة للارتداء والاصطحاب ، وتقنيات الطب الافتراضي والذكاء الاصطناعي ، الذين يشكلون منظومات الصحة الافتراضية وتقييم المخاطر المستقبلية ، من خلال النمذجة التنبؤية ، ووضع العلاجات الرقمية والعلاج عن بعد ، والتدخلات الطبية العلاجية والجراحية الروبوتية ، والتشغيل التلقائي ، مع تطور تقنيات الطباعة الثلاثية الأبعاد للاعضاء والأنسجة ، التي شكلت تطورا كبيرا في تخطيط الجراحات وزراعة الاعضاء ، والاختبارات الأمثل للادوية مما ساهمت هذه الثورة التكنولوجية في الخدمات الصحية في ظهور خدمات الطب الشخصي المتميز المبني على التركيبة الجينية واسلوب ونمط الحياة والبيئة المعيشية ، لوضع الخطط العلاجية المناسبة جدا لكل حالة واحتياجاتها الفعلية ، بناء عن العلاقة المستمرة بين الشخص ومقدمي الخدمات الصحية والرصد النشط المستمر ، وتشجيع المراقبة الصحية الذاتية ، ومشاركة البيانات الحساسة ، وجدولة الزيارات للعيادات ومتابعة الفحوصات والاختبارات المعملية والكشف المبكر
، مع التقييمات المنزلية والتثقيف الصحي والغذائي ومحو الأمية في مجال الرعاية الصحية ،
كل هذا يؤدي الى نتائج مبهرة في تفادي الأمراض وتحسين جودة الحياة وزيادة متوسط الاعمار بدون مشاكل صحية معقدة ، لأنه يساعد على أكتشاف عوامل الخطورة والاختلالات ومعالجتها عبر مجموعات سكانية متنوعة في وقت مبكر وبمرونة أكبر ، لتحسين النتائج وإنقاذ الأرواح
وهذا يتطلب إعادة هيكلة النظام الصحي ، وتطوير البنية التحتية لتواكب التطورات التكنولوجية الحديثة ، والأهم هو القوى العاملة الصحية المؤهلة تأهيل عالي ، وبالتأكيد مختلفة تماما عن المتوفر حاليا التي تحتاج لإعادة تأهيل وتطوير جذري
وبناء نظام صحي متكامل بمؤسسات ومرافق صحية متكاملة تعنى بالصحة الاستباقية والوقائية وتحسين جودة الحياة تذهب الخدمة للمستفيد وتحقق الاحتياجات لتعزيز الصحة ، ونظام صحي انساني قيمي واخلاقي ، وليس اقتصادي تجاري سلعي ، يسمح بالمتاجرة في الأمراض ويشجع الفساد والغش والتزوير والتدليس والتطفل على المهنة الإنسانية النبيلة ،
إن حياة الناس أغلى من اي تكاليف
، والانسان هو التنمية المستدامة
..الثوره الصحية بداءت ووجبت