زايد .. ناقص
جمعة بوكليب
لسنوات طويلة، كانت وسائل الاعلام العالمية، باختلافها، لا تأتينا إلا بأخبار توجع القلوب، وتسبب الكدر، وتغيّم صفو الأمزجة. أخبار على خصومة مع الأمل والتفاؤل. سيئة، ومزعجة، تأتينا بها وكالات أنباء، ونشرات أخبار بمختلف اللغات. أخبار قادمة من تلك البقعة الجغرافية التي ننتسب إليها، ونحمل هوّيتها.
دائماً، ولسنوات طويلة، ظل اسم ليبيا مقروناً، لدى ظهوره في وسائل الاعلام، بأخبار تقلق الليبيين، وتسبب لهم الارتباك، وخاصة منهم الذين، لسبب أو لآخر، كانوا مضطرين للعيش خارجها، لفترات تقصر أو تطول. ولم يكن لنا جميعاً من مفر لتفادي سيل تلك الأخبار، سواء بتجنّب سماعها ومتابعتها، أو تجاهلها. إذ مهما كانت درجتها من السوء، لابدّ لنا من متابعتها، ولو من باب الفضول، على الأقل، لمعرفة المسافة المتبقية التي كانت تفصل القطار الليبي عن السقوط النهائي في الهاوية المتوقعة. لذلك السبب، جاء وقت كان فيه غياب اسم ليبيا من نشرات الأخبار مبعث تفاؤل وراحة نفسية للكثيرين من أمثالي. أحياناً، كانت تأتينا أوقات، يتمنّى المرءُ على الله، وهو يغادر بيته صباحاً، في طريقه إلى العمل أو إلى الدراسة، ألاّ تعكر مزاجه وسائل الاعلام بأي خبر له علاقة بليبيا. وكثيرون منّا، كانوا يتعمدون تجنّب سماع ومشاهدة نشرات الأخبار، وقراءة الصحف. ومع ذلك، وعلى حدّ علمي، لم يكونوا في مأمن من وصول الأخبار المنغّصة إليهم، ولا في منأى من اصابتهم بالإنزعاج والتوتر، وعلى الريق في معظم الأحيان، وتكدير صفو حيواتهم.
جاء وقت، انقلبت فيه الموازين، وتغيّرت فيه العناوين، وصرنا، برحمة من الله، نلاحقُ أخبار ليبيا طيلة النهار والليل بشغف. كان ذلك في عام 2011 ، وكان ذلك بمثابة اشهار لبداية نهاية مؤملة لمسلسل الأخبار الليبية السيئة، والبداية التي كانت تتوقُ إليها بذورُ التفاؤلِ والأملِ في نفوسنا، للانبثاق والتبرعم والتفتح. إلا أنها، لسوء حظنا جميعاً لم تدم طويلاً. إذ سرعان ما خيّم التشاؤم واليأس المرعبان على البلاد والعباد، وتعرض حلمنا الوليد للخطف في وسط النهار، وعلانية أمام أنظار العالم. وسرعان ما “عادت حليمة لعادتها القديمة”، وبدأتْ من جديد مسلسلات الأخبار السيئة في الانتشار والتمدد مثل كابوس بلا نهاية. وبدأتّ أنا، من جديد، السير مكرهاً في طرقات مدن غريبة على أمل العثور على ماضاع مني. وصرتُ أقف في الشوارع والساحات متسولاً: أخبار طيبة لله يامحسنين.
الذين منّا يحرصون دوماً، من باب التفاؤل والحفاظ على قواهم البدنية والعقلية، أن يروا نصف الكأس الملأن، ليسوا بمنأى، كما يعتقد البعض، عما تحدثه الأحداث الدائرة في ليبيا من أهتزازات في الأرض التي يقفون بأقدامهم فوقها. لكنهّم، من خلال التجربة، تعلموا الصبر، وألا يفقدوا الأمل في الله، وفي عظيم رحمته بعباده. ولذلك، فانهم حتى في أشدّ الأوقات عتمة، يعرفون بالتجربة أن الساعة التي تسبق ظهور الفجر هي أكثر ساعات الليل حلكة. وهذا ما يزيد في شدة صبرهم وثباتهم، ويحول بينهم وبين الوقوع في نيران اليأس. وهم، بطبيعتهم، لا يتركون أمام التشاؤم فرصة للنيل منهم، ويظلون، رغماً عن كل شيء، يتلمسون بنور قلوبهم طريقهم نحو التفاؤل، لإيمانهم بحقيقة تؤكد أن بعد العُسر يُسراً، وأن الشدّةَ التي تبديها الأزمةُ في البلاد ليس سوى دليل، يزيد في رسوخ تفاؤلهم على قرب انفراجها ونجاتنا.
وهاهي الأخبار الطيبة، مرّة أخرى، هذه الأيام تعاود الظهور على خجل. وبدأنا نطل برؤوسنا من النوافذ، يدفعنا فضول وأمل، لمعرفة ما يحمله إلينا رُسلُ الأخبار القادمون من المغرب.