“الخير بَكري والشر بَكري”
جمعة بوكليب
زايد..ناقص
فيما تركه لنا الأجدادُ، رحمهم الله جميعاً، من أمثالٍ وحِكم، من بينها يبرز مثلٌ شعبي يبدو لي غريباً بعض الشيء، كونه، بشكل أو بآخر، يساوي بين الخير والشرّ. المثلُ الشعبي المقصود يقول:” الخير بَكري والشرّ بَكري.”
المساواةُ المعنية تتمثل في حَثّ المرء على ضرورة حصوله مبكراً، وقبل غيره، على حاجته، سواء أكانت من الخير أو من الشرّ. قد نتفهم، إلى حد كبير، المطالبة بالمسارعة بالحصول على الخير، طالما أن الطلب لا يعني الاستيلاء عِنوة أو بالاحتيال، على خير الغير، ويتم وفق السائد من الاخلاق والتقاليد والأعراف والقوانين. ولكن ليس من السهولة بمكان مضغ وبلع وهضم ضرورة المسارعة أيضاً بالحصول على الشرّ، إلا إذا كان في الشر المقصود مغزى أعمق مما قد يتبادر إلى الذهن. ولا يبدو للوهلة الأولى، وربما يتطلب منّا التفكير خارج الصندوق.
وبالتمعن في المثل، أي بالتفكير خارج الصندوق، اتضح لي أن المغزى المقصود بالمثل مختلف عما تبادر إلى ذهني في البداية. وأنّه، وإلى حدّ ما، قد لا يخطر على بال كثيرين. فقد تبيّن لي ، على سبيل المثال، أن المقصود من المثل قد يكون دعوة إلى ان يرتب المرء حياته، بحيث يكون مستعداً للأمرين: الخير والشرّ. وفي زمن مبكر، ويأخذ حصته من المتوفرمنهما. ولكي يرتب وينظم المرء حياته، يتطلب منه الأمر أن يكون حاضر البديهة، وعلى وعي بالواقع الذي يعيش فيه، ومتأهباً دوماً لما يحدث حوله من أحداث.
هذا التأكيد على أن الخير بكري والشرّ أيضا بكري، أي تنظيم الحياة، بما يتناسب والظروف، لم يعد له مكان في حياتنا، بينما يلاحظه المرء حاضراً في حياة شعوب أخرى، أكثر تحضّراً وتقدّماً. في الشهر الماضي، بينما كنت متواجداً في سوبر ماركت للتبضع، لفت انتباهي اعلانات منشورة، ومعلقة في عدة أنحاء منه، تعلن للزبائن عن بدء قبول طلبات حجز الديوك الرومية، لاحتفالات عيد الميلاد المجيد، وموعدها، كما نعرف، في آخر أسبوع من شهر ديسمبر المقبل.
استوقفني الاعلان، وجعلني أفكر في الأمر. وتبيّن لي أننا مازلنا في منتصف شهر أكتوبر، أي أنه تفصلنا عن مناسبة الاحتفال بعيد الميلاد المجيد مسافة زمنية تقترب من شهرين ونصف. فجأة، قفز إلى ذهني المثل الشعبي الليبي المذكور أعلاه.
قد يقول قائلٌ، أو لا يعرفون أو يتذكرون أن العجلة من الشيطان؟ والحقيقة، أن الموضوع ، ومن الأخير، لا علاقة له بالعجلة ولا بالشيطان، بل بتنظيم الأمور المعيشية. والذين منّا أتيحت لهم فرصة العيش في بلاد النصارى، يعرفون ما تعنيه مناسبة الاحتفال بعيد الميلاد المجيد، دينياً واجتماعياً، في حياة شعوب تلك البلدان. والحرصُ على الاحتفاء به، يستدعي الحرص على التأكد من أن لا شيء يحرمهم من التمتع بأجواء العيد. والديك الرومي، وضرورة الحصول عليه، يقع في رأس قائمة الاولويات. فالشخص الذي يهمه ضمان حصوله على ديك رومي للاحتفال بعيد الميلاد، يفهم أنه بقيامه بتسجيل اسمه في قوائم الحجز لدى السوبر ماركت، منذ الان، يعني أنه سيكون في مأمن، لدى اقتراب العيد، من الزحام، والدوخان بين السوبرماركات، وأنه بعد قيامه بتسجيل أسمه، سوف يتفرغ لأموره الحياتية الأخرى.
ونحن وقد عرفنا موقع الخير بَكري في الموضوع، فأين موقع الشرّ فيه؟ ربما يكون موقع الشر ممثلاً في المقابل المادي، أي النقود التي سينفقها المرء، لقاء ضمان حصوله على حاجته، وقد يرهق صرفها مبكراً، ميزانيته العائلية. والله أعلم دوماً.