إلغاء الإنسانية
فتحية الجديدي
بقدر ما ضاق صدري وأنا أتصفح منصة التواصل الاجتماعي الزرقاء، فتح ناظري على أوجاع وآلام تنوء بحملها الجبال، فبينما انشغل البعض بتأبين مفقوديهم، نثر آخرون كلمات حزينة، تبكي مشهداً شدّ أرواحنا إليه، بصور أطفال يقضون دون ذنب، ورجال خنقتهم العبرات حزناً على أولادهم الذين ذهبوا ضحية الغدر والعدوان، وسريرتهم في ذلك رغبتهم في العيش على أرضهم بسلام ورفضهم الظلم والاحتلال.
نساء ينتحبن وقد فقدن فلذات أكبادهن والمعيل، وبيوت سويّت بالأرض، بعد أن شيدت بالعرق والدم.
استحالت بقعة من هذا الكوكب جحيمًا، بأوجاع أهلها والنزيف الإنساني لا يزال مستمرًا مع اعتصار قلوبنا كل يوم ونحن نشاهد أخبارهم على كل الفضائيات.
لا يتوقف اكتناز الألم في القلوب على مشاهد الموت، فللفقر والجوع والتهجير والرعب الساكن غب عيون الصغار – وغبار وأتربة بلدهم تعبق على ملامحهم وهم يقفون يناظرون الناس عبر الآلات التصوير – نصيب.
أما هذه التراجيديا غير المسبوقة – على الأقل في قرننا الحالي – أنّى لنا أن نصمد أمام هذا الوجع وأن نمضي في حياتنا والمآسي تتراً في أوطاننا وأيادي القساة لا تهمد !
كيف لي أن اسعد وأنا أبحث عن فرحة وسط فواجع وانكسارات وخسارات بشرية ذهبت نتيجة أحقاد وضغائن ومطامع ؟!
والانكى من ذلك .. بل الأدهى والأمر أن المنصات التي ادعت قيامها على مبدأ حرية التعبير تصعر خدها لنا وتتبنى سردية المجرم وروايته. كل ذلك دفعني للسؤال : لماذا لايتم إغلاق منصات التواصل غير الأخلاقية هذه وغير الإنسانية، وصنَاعها يفرضون شروطاً للاستخدام وتقليص الأصدقاء عندما تقوم بالتعبير عن رأيك ورفضك لكل هذه الأفعال المشينة؟
لماذا لايتم رفض القتل وليس رفض الكلام ومنع استباحة الارض والعرض بدل إغلاق التعليقات لمجرد كلمة أو صرخة ترفض الاعتداء على الآخر دون وجه حق، لم يعد « لفيسهم « أي طعم ولا لمواقعهم أي معنى عندما تنعدم فيها معاني الآدمية وتُبعد عن الاستخدام البشري أمام توحش النفوس .
ماذا بعد؟ الممارسات الالكترونية مقيتة تقصي حق التعبير والاستنكار، ولم يفكر «مارك زوكربيرغ» بأن هناك من يقول لا للعدوان وهناك من يحلم بمستقبل آمن والعيش بكرامة فوق الأرض، هل نفهم عند الاستخدام يجب أن نلغي الإنسانية ومبدأ الحق !