عن النص المسرحي
__
منصور بوشناف
لن ابدا بسرد تاريخ النص المسرحي والاخراج المسرحي في هذه الورقة , فأعتقد ان سرد هذا التاريخ بات معروفا ومكررا , وسادخل مباشرة في تحديد مصطلحين سأتناولهما في هذه الورقة هما “النص المسرحي ” و “الاخراج المسرحي” .
النص المسرحي : النص المسرحي هو نص ادبي اولا , ينتجه مؤلف او اديب , هو نص للقراءة وهو ايضا نص قابل للتمثيل , مع ملاحظة ان قابليته للتمثيل تظل كامنة فيه وغير متعينة حتى يبدأ المخرج و الممثلون في تجارب ادائه , قبل ذلك ليس النص وان كان مسرحيا الا نصا ادبيا , مثله كالقصة او الرواية او الملحمة او الحكاية , الخ من اشكال السرد الادبي .
النص المسرحي هو نص يسرد او يروي او يصور حدثا تصنعه شخصيات او شخصيات تصنع حدثا يتطوران معا “شخصيات وحدث ” نحو نهاية ما .
تتنوع طرق واساليب كتابة هذا النص المسرحي وذلك لتنوع واختلاف الثقافات والمعتقدات والعادات والاعراف بين مجتمع واخر وعصر واخر .هذا التنوع و الاختلاف هما مصدر او اصل ما عرف من مدارس وتيارات فكرية وادببية ساهمت في كتابة و تطوير هذا النص المسرحي .
فضاء النص المسرحي : لا اقصد هنا بفضاء النص المسرحي خشبة المسرح ولا المساحة الفارغة ما اقصده هنا هو الورق , فضاء النص المسرحي الاول , حيث تتخلق الشخصيات والاحداث وتتعين في مكان محدد وزمان محدد , هذا الفضاء او هذه المساحة الفارغة والمحددوة هي موطن التعين الاول لشخصيات وصراع واحداث , لعواطف واحاسيس وافكار ومعتقدات , كانت قبل هذا التعين قد عاشت تخلقها الاول في فضاء اخر هو خيال المؤلف , ليكون الورق مسقط رأسها او منفاها وتفاعلها وتحولاتها التي سيفرضها عليها هذا الفضاء الابيض , حيث سيكون تحولها من السيولة الى الصلابة والتماسك ., الى الاغتراب في المنفى الاول .
من سمع سيمفونية بيتهوفن الخامسة مثلا؟
الجواب بسيط ملاين الناس سمعوا خامسة بيتهوفن .
الناقد الانجليزي “كولن جورد” يقول بثقة كاملة لم يسمعها احد , ولن يسمعها احد.
هذا الانجليزي العابث يشرح قوله على هذا النحو : تكونت خامسة بتهوفن في خياله ومن عواطفه الخاصة , من الامه واماله , وهدرت سيولها في داخله وشرع كما عليه ان يفعل في تفريغها في فضاء الورق الابيض الضيق وبحروف موسيقية سبعة كان عليه ان يحشر تلك السيول بل تلك الاكوان التي تخلقت داخله في ذلك الفضاء الضيق وتلك الحروف المحدودة ليضيع الكثير منها وتحد قدرات الاصوات وقدرات السمع من سماعها , ثم يستلم هذا الجزء المتعين على فضاء الورق الموزع والمايسترو ثم العازفون لتتعين في فضاءت خيالاتهم لتحدها قدرات الاتهم ومهاراتهم وتتبعد اكثر وتتحول بعيدا عن سيول واكوان بتهوفن ليتلقاها الجمهور وتتبعد اكثر , لا احد سمع خامسة بتهوفن .
النص المسرحي كغيره من اعمال التأليف الخيالي يعيش دائما منفى دائم واغتراب لانهاية له , وذلك ليس مصيرا مأساويا على اية حال فهو منحة خلوده .