منصة الصباح

ليبيا، ماذا بعد ؟

ليبيا، ماذا بعد ؟
___

مفتاح قناو

تجددت الأسبوع الماضي الاشتباكات مرة أخرى في العاصمة طرابلس بين فصائل مسلحة مناط بها حفظ النظام ومكافحة الجريمة، وبدل أن تقوم هذه الفصائل بمهامها الرسمية في خدمة المواطن وتأمين أرواح وأرزاق الناس، نراها بكل نزق، وانعدام مسؤولية، تتناحر فيما بينها مخلفة عشرات القتلى ومئات الجرحى، وخسائر مادية بملايين الدينارات، ومعرضة حياة أكثر من مليوني مواطن هم سكان المدينة للخطر.
السؤال الذي يطرح هنا، ما الذي يجعل هذه الفصائل تقاتل بعضها البعض ؟ أين هو الخلل ؟
في اعتقادنا بأن الخلل المسبب لهذه التناحر هو غياب العقيدة العسكرية الواحدة للأجهزة العسكرية الليبية، والعقيدة العسكرية هي المذهب العسكري الذي تتخذه الدولة لبناء جيشها، وتأسيس كل مجالاتها العسكرية، وهي كذلك مجموع المبادئ والقيم التي تحكم أداء الجيش وتعمل على صيانة المصالح العامة للدول، وهناك فرق بين العقيدة العسكرية وبين الواجب ( المهني ) العسكري .
ولكي تكون العقيدة العسكرية، عقيدة صحيحة يجب أن تكون مشروعا متكاملا يبدأ من رئاسة الدولة إلى القيادة العامة للجيش حتى تصل إلى الجندي في الميدان، ويكون الهدف دائما هو تحقيق الأمن وحماية مصالح الدولة، وأن تكون العقيدة العسكرية هي الرابط بين النظريات والتجارب التاريخية، وبين الخبرات العملية المكتسبة، مع ضرورة دعم التفكير الإبداعي لكل منتسبي المؤسسة العسكرية لموجهة المواقف الصعبة وإيجاد حلول مبتكرة لها.
قد يقول قائل بأنه ليس لدينا جيش، وأن الموجود هو عبارة عن مجموعات مسلحة غير نظامية، أي بالمسمى الأخر (ميليشيات)، والإجابة على ذلك هي أن حتى هذه المجموعات غير النظامية ينبغي أن تكون لها ( عقيدة عسكرية واحدة ) لكي لا يحدث صدام بينها.
والتجارب التاريخية في بناء الجيوش تقول، ــ وعلى سبيل المثال ــ بأن دولة الجزائر لم يكن لها جيش، وأن جيشها الذي تكون بعد تحرير الجزائر من فرنسا، قد تكون من المجموعات المسلحة غير النظامية التي كانت تحارب الاستعمار الفرنسي، والتي توافقت بينها على تكوين جيش واحتفظ قائد كل كتيبة أو منطقة بمنصبه مع إعادة تنظيم الوحدات العسكرية، ولازال الجيش الجزائري حتى يومنا هذا يسمى (الجيش الشعبي الجزائري)
المشكلة تكمن دائما في غياب الثقافة، وصعود الايدولوجيا، غياب الثقافة عن المجموعات المسلحة في ليبيا يجعلها تبتعد عن فهم معنى ( المواطنة ) والحقوق والواجبات المجتمعية، ويجعلها تُعلي مبادئ الجهوية و القبلية ودكتاتورية زعيم الميليشيا، وبعض هذه المجموعات لها توجه ديني طائفي يجعلها منحازة دائما إلى توجهها الطائفي واعتبار أنها ( الفرقة الناجية ).
وقد شاهدنا في كثير من الدول العربية ومنها ليبيا دكتاتورية العسكر عندما يستولون على السلطة وكيف يقودون بلادهم إلى الهاوية، وإلى تبديد الإمكانيات والثروات، لذلك فلا يوجد فرق كبير بين استيلاء العسكر على السلطة أو وجود ميليشيات مسلحة في أي دولة، فغياب القانون واحد في الحالتين، وقد شاهدنا كيف تحولت المليشيات التي حررت الجزائر إلى جيش نظامي بسبب ارتفاع مستوى الوعي والثقافة لدى منتسبيها.

شاهد أيضاً

منظمة الصحة العالمية: غزة تواجه أزمة إنسانية خطيرة

  كشف المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أمس الأحد، أنه “مع استمرار …