بين سلام قدري وعمرو دياب و الاستثمار الرابح في الاغنية
صباح الفن
عبدالله الزائدي
في عام 2009 طرح المغني المصري الأشهر عمرو دياب أغنية الا حبيبي ، والتي اشتعلت مبيعاتها على طول الوطن العربي فور عرضها في السوق ، وطبعا صرنا نسمعها هنا في ليبيا كما سائر البلاد العربية في المقاهي والسيارات والاذاعات والتلفزيون، كاغنية ناجحة جميلة لمغن ذائع الصيت عالميا وليس فقط عربيا ،و بالتاكيد هناك من الشباب من حفظ اللحن والكلمات وارتبطت في ذهنه بدياب ، ووسط ذلك النجاح ومع تردد صوت الاغنية في الشوارع ، كان ثمة مستمع مختلف في طرابلس ، وتحديدا في شارع الاستقلال ، انه المطرب الراحل الكبير سلام قدري، و كان يجلس في محله التجاري لبيع الآلات الموسيقية، بعيدا عن الأضواء والمهرجانات و حتى التلحين ، متفرغا لمتجره فقط ، و كان لقدري مع هذه الاغنية التى تتردد في الاصداء شعور مختلف ، فملحنها الفنان الامين حسن بيك ، كان في الواقع قد صمم اللحن لصوت سلام قدري بكلمات اخرى بعنوان المكتوب وغنى قدري اللحن والذي نجح في زمنه ، وتعد أغنية المكتوب من أشهر أغاني قدري ، ولا ادري هل الشركة المنتجة لاغنية عمرو دياب تعاقدت مع اسرة الراحل الامين حسن بيك لشراء حقوق اللحن ؟ او من انتج الاغنية وهي في أغلب الظن الإذاعة الليبية ، وهنا لا نستطيع القول انها سرقة ، اما اذا اخذت الشركة الاغنية دون ابرام عقد مع مالكها وهذا هو المرجح عندي فهي سرقة ، وبالعودة إلى المطرب الاصلي للحن، وهو جالس في محله التجاري ، نسأل لماذا انزوى سلامة قدري بعيدا عن الغناء وهو من لقب في سنوات مجده الفني بعندليب ليبيا ؟ وساتناول حياته ومجده الفني بالتفاصيل الدقيقة عبر هذه الزاوية في عدد قادم إن شاء الله ، ولكننا نعود اليه لنتساءل كيف يغيب مطرب موهوب يطمع كل ملحن وشاعر ان يضع لصوته اجمل الاغنيات ؟
ولو لم تكن اغنيته مؤثرة وجميلة ما ذهب مغن مشهور الى اعادة غناء اللحن وتحقيق عشرات الملايين من الدولار كمكاسب بين مبيعات وحفلات ، بل تصدرت اغانيه عام 2009 ومنها الا حبيبي مبيعات سباقات الفيرجن ميغا ستور الشرق .
بالتأكيد كان لقدري أسبابه ليبتعد ليس منها تقدم السن فالفنان ليس لاعب كرة قدم يقاس بالعمر البيولوجي للعطاء ،نعم الصوت موسيقيا اعمار ، ولكن قدري كان قد ابتعد وهو في اوج العطاء .
ومن قدر قدري ان يرى اغنية اخرى له تشتهر عربيا بغير صوته عندما قدم شاب جيلاني عام 2003 اغنية وعيوني سهارى ، وهذا لا يعني أن المشكلة في صوت قدري والذي طلب اليه الملحن الكبير محمد الموجي عام 1967 البقاء في القاهرة متعهدا ان يجعل منه نجما عربيا منافسا ، وفضل هو الرجوع الى وطنه ، كما خصصت مجلة دبي الثقافية الإماراتية في عددها لشهر أبريل 2014 ملف تأبين لرحيله بعنوان رحيل عندليب ليبيا تحت أزيز الرصاص ، ومع اليوتيوب بمكن اعادة سماع صوته الجميل وامكانياته ومقارنتها بعمرو دياب و الشاب جيلاني ، وعندها سنقف على نتيجة مريرة وهي أن الانتاج الغنائي في ليبيا لم يكن في صالح كل الفنانين ، خاصة ذلك الجيل امثال محمد صدقي ، محمود كريم و راسم فخري و ابراهيم حفظي و عزالدين محمد ونوشي خليل ولطفي العارف ، واخرين ، كانت النظرة الانتاجية للموسيقى في ليبيا محدودة للغاية ، ولم تساهم باكثر من انتاج اغان وتصوير بعضها للتلفزيون ، لاحفلات على مدار العام ولا نشاط توزيع كاسيت ، اما شركات الانتاج الفني الخاص القليلة، لايمكنها اكثر من تسجيل اغنية وعرضها في المحلات ، وطبعا فكرة صناعة النجومية في حد ذاتها تتعارض مع سياق السياسة الاقتصادية للبلاد ، وغالب المهرجانات هي مناسبات عامة ،ومع انحسار اصوات المطربين الليبيين نتيجة لعوامل عدة على راسها العامل المادي ، واكتساح شركات الانتاج الموسيقي العربية الضخمة للسوق في الثمانينات ثم ظهور البث الفضائي في التسعينات ولاحقا الانترنت ، لم يجد الفنان الليبي بكل موهبته امام تغول هذه الصناعة من يسنده بقوة واحتراف في الانتاج ، وعندها اما ان يذهب طلبا للنجاح تحت شروط شركات الانتاج الضخمة وهذا امر جد عسير وقد يقرر الفنان الانسحاب كما حصل مع الفنانة المطربة الليبية الشابة صاحبة الصوت الجميل الواعد اميرة ، او تنسكر الموهبة امام قوة الدعاية والتمويل ، ففي بلادنا لم تؤسس شركات انتاج ضخمة تجارية تستثمر في الفن الغنائي الليبي الجميل ،وتسوقه عربيا وعالميا، الفن الليبي الذي نشاهد ابداعاته تنهب ، اويقتبس منها دون اذن ، وكم كان مؤثرا وقوف عدد من الفنانين في حفل بالمدينة القديمة شهر رمضان الماضي اقامه رئيس حكومة الوحدة الوطنية، ليقولوا أن وضع الفنان الليبي سيئ جدا ، وهذه ليست مناشدة في الواقع ، بل قرع مرير لجرس يقول أن دعم الفن الليبي بالتشريعات والتسهيلات المادية ودعم شركات الانتاج والتوزيع ،هو دعم للوجدان والذاكرة الوطنية هو دعم لروح الوطن