عميد كلية الطب البشري جامعة طرابلس يستقيل ويكشف عن مشاكل وتجاوزات بالجملة
أعلن عميد كلية الطب البشري جامعة طرابلس الأستاذ الدكتور عبد العزيز علي الرابطي استقالته من عمادة الكلية، مرجعًا ذلك لعدم قدرته على الاستمرار كجزء من منظومة ستنهار.
وكشف عميد الكلية ورئيس لجنة عمداء كليات الطب بالجامعات الليبية، في خطاب وجهه إلى رئيس وأعضاء مجلس جامعة طرابلس، وعمداء كليات الطب في الجامعات الليبية، ووكيل الكلية ورؤساء الأقسام العلمية، والطلاب وأولياء الأمور، عن مجموعة من المشاكل والمخالفات الإدارية التي تعاني منها كلية الطب البشري جامعة طرابلس.
وأكد الرابطي أن كليات الطب البشري في الجامعات الليبية عموما وكلية الطب جامعة طرابلس خصوصا تمر بمرحلة حرجة وخطيرة ترتبط بموضوع الاعتماد الدولي من المنظمة الدولية للتعليم الطبي، وهي تواجه مشاكل مختلفة منها ما يخص أعضاء هيئة التدريس السريريين وأخرى تتعلق بمواد تشغيل المعامل والبنية التحتية وبذلوا جهدا مضنيا بحثا عن الحلول بشكل شخصي وجماعي من خلال لجنة عمداء كليات الطب، ولكنهم وصلوا إلى طريق مسدود ويتعين عليهم توضيحها للجميع وإخلاء مسؤوليتهم التاريخية.
مرحلة حرجة
وأشار عميد كلية الطب جامعة طرابلس إلى أن المرحلة السريرية تعتبر من أهم المراحل في كليات الطب وهي التي يدرس فيها الطالب العلوم السريرية التي تتعلق بأسباب المرض والتشخيص والعلاج، ومن المنطق أن يقوم بالتدريس أطباء مؤهلون بدرجات علمية سريرية عالية أسوة بما يحصل في الجامعات العريقة في العالم المتقدم، ويعرفون بأعضاء هيئة تدريس سريريين وحسب متطلبات الجودة والاعتماد الدولي يجب أن تكون نسبة لا تقل عن 50% منهم كأساتذة قارين بالجامعات ولكن لم يتم ذلك رغم المطالبات المتكررة نظرا لعدم تفهم ذوي العلاقة أهمية الموضوع واتخاذهم لموقف سلبي ضد هذه الشريحة لأسباب غير مبررة.
كما أوضح عميد الكلية أن الكلية قادمة على مرحلة حرجة وهي زيارة فريق التدقيق العالمي لمنحها الاعتماد الدولي وذلك في شهر 10/ 2023 ونظرا للعدد الكبير من الطلاب والذي يصل إلى حوالي 10000 طالب بالكلية فإنها بحاجة ماسة إلى: الصيانة الضرورية والدورية، مواد التشغيل للمعامل، اللوحات الإرشادية، صيانة المرافق الصحية دوريا، توفير المياه والكهرباء للطوارئ، تجهيز بعض القاعات بآلات العرض والتكييف، التغطية الكاملة بشبكة المعلومات، صيانة السلالم التي تشكل خطر على المارة، توفير معدات الأمن والسلامة.
وبهذا الشأن لفت إلى أن رئاسة الجامعة قامت بإجراء صيانة لبعض المدرجات الصحية ولكنها لم تكن كاملة ولم تغطي التكييف والوسائل التعليمية والمرافق الصحية التي تحتاج إلى قطع غيار وصيانة ونظافة دورية يومية، منوها إلى أنه تم إحالة العديد من المراسلات بالخصوص.
وذكر أنه في اجتماع لعمداء كليات الطب في الجامعات الليبية طلبوا دعم وزير التعليم العالي وكان رده “اللي ما يقدرش يوخر”، كما أنهم تواصلوا مع شخصيات نافذة في مجلس النواب ورئاسة الوزراء دون أي استجابة.
التدخلات في البرامج العلمية
كما تحدث عميد الكلية عن التدخلات في البرامج العلمية لكليات الطب وأهمها آلية القبول للطلبة الجدد وإلزام الكلية بالسنة التمهيدية رغم عدم موافقة مجلس الكلية التي يعتبر ما هدرا للوقت والجهد والموارد.
وأضاف أن الدراسات العليا في الأقسام السريرية حيث أن كليات الطب في حاجة ماسة للدراسات العليا الأساسية وأهمها تخصص التشريح الذي يعاني في نقص في كل كليات الطب وعجزت الوزارة عن استجلاب عدد اثنين من الأساتذة المؤهلين في هذا التخصص وعدم القدرة على توفير مواد التشغيل للمعامل رغم المراسلات المتكررة.
ولفت إلى أن كليات الطب ليست في حاجة إلى دراسة عليا سريرية حيث أن شهادة التخصص البورد هي التي يتم بها التدريس في كل جامعات العالم، ولديهم عدد كافي من حملة هذه الشهادة، ولكن إصرار وزير التعليم العالي على فرض الماستر السريري رغم اعتراض المختصين في هذ المجال باعتبار البرنامج التدريبي السريري لدرجة الماستر لا يرقى ليكون حاملها أخصائي في المستشفيات ويتحمل مسؤولية علاج المريض والتدريس، واصفا ذلك بأنه هدر للإمكانيات وتشتيت للجهود وسبب انحدار في مستوى الأداء للأخصائيين ومخالفا لبرنامج التخصص السريري في العالم المتقدم.
وأكد عميد الكلية أيضا عدم معالجة موضوع المعيدين وحملة المساتر في العلوم الأساسية الذي يشكل مشكلة مزمنة بالكلية والذي سيؤدي إلى نقص وعجز في أعضاء هيئة التدريس في هذه الأقسام.
واعتبر عميد كلية الطب أن تدخل وكيل الجامعة للطبيات المتكرر في شؤون الكلية والأقسام بما يخالف قرارات مجلس الكلية والمناكفات الغير مسؤولة مما يسبب إرباك وتوتر ينعكس سلبا على مستوى الأداء.
عدم وجود ميزانيات
وأضاف إلى جانب كل ذلك لا توجد ميزانيات وموارد لكليات الطب، علاوة على عدم تسوية أوضاع المتعاونين والمشاركين في الامتحانات والمكافأة التشجيعية والاجازات العلمية والتعامل معها بشكل غير منصف من قبل الإدارة المالية الذي سبب رد فعل سلبي لدى أعضاء هيئة التدريس والموظفين ما انعكس سلبا على مستوى الأداء.
وكشف عن تكليف رئيس لقسم الباطنة من خارج أعضاء هيئة التدريس بالقسم ولم يسبق له التدريس ولم يتم تقييم شهادته من اللجنة العلمية بالقسم وليس له عقد في مستشفى تعليمي ما يعد مخالفة للوائح المعمول بها في الجامعة؟
ونوّه عميد الكلية إلى عدم اهتمام رئاسة الجامعة بتكليف رؤساء للأقسام السريرية بناء على الترشيحات التي تمت إحالتها من قبله لتحقيق استمرارية الدراسة والامتحانات.
ردود الأفعال
كانت لاستقالة عميد كلية الطب البشري جامعة طرابلس ردود فعل كبيرة ليس على مستوى أعضاء هيئة التدريس بالجامعة فحسب وإنما على مستوى الجامعات الليبية بشكل عام.
فمن جانبه أكد الدكتور عامر التواتي عضو هيئة التدريس بجامعة سبها أن هذه “ليست مجرد استقالة .؟!”، مضيفا أن استقالة ” الدكتور عبدالعزيز الرابطي” من مهامه عميد لكلية طب طرابلس وللأسباب التي أوضحها في مذكرة الاستقالة، ليست مجرد استقالة موظف من وظيفة عامة بل هي احتجاج على سوء ادارة التعليم الطبي من قبل الجامعات ومن قبل وزارة التعليم العالي.
ورأى التواتي أن الدكتور الرابطي وغيره من الزملاء حاولوا شرح وتوضيح طبيعة التعليم الطبي الاكلينيكي لرؤساء الجامعات وحتى لوزير التعليم العالي ولكن هؤلاء المسؤولين لا يريدون ان يفهموا او غير قادرين على الفهم ، او ان هناك امورا اخرى لا نعلمها .؟!
وأضاف أن استقالة الدكتور الرابطي ليست هروبا من مهامه ولم يتحجج الرجل بأسباب صحية أو شخصية بل أنه أدرج الأسباب التي جعلته يستقيل، متابعا وحسب معرفتي أن الاستقالة لأسباب معينة تستوجب التحقيق في هذه الأسباب وتحميل كل مسؤوليته عنها.
ودعا التواتي رئيس حكومة الوحدة الوطنية لتشكيل لجنة من مختصين للنظر في هذه الأسباب ومعالجتها قبل فوات الأوان، لأن ما حدث ليس مجرد استقالة.
ووافق الدكتور عبد المجيد محمد الأسطي، على رأي الدكتور عامر التواتي، مؤكدا أنها استقالة احتجاج على سوء الوضع في الجامعة وعدم إعطاء حقوق أعضاء هيئة التدريس وتدخل خارجي في شغل الكلية وعدم صيانة الجامعة، وغيرها من الأسباب التي تدل على الإهمال المتعمد من الحكومة للتعليم العالي للأسف، ولو ناديت لسمعت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي.
التعليم الطبي في تدنٍ مستمر
أما رئيس الجامعة الطبية سابقاً محمد العربي فعلق قائلا إن التعليم الطبي في بلادنا في تدنى مستمر نتيجة عدم اهتمام المسؤولين وتدخلاتهم والله اعلم او لجهلهم بالتعليم الطبي وخصوصيته او تعمدا !!
وأضاف ليس من العدل أن تعامل كلية الطب بهذه الطريقة وأعتقد ممن يتم استشارتهم ليسوا من ذوى الاختصاص او المجاملين !!
وتابع أن الأستاذ في كليات الطب حقه مهضوم وليس هكذا تعالج الامور يا سادة كفاكم وهم، كيف يتم الاعتماد؟ ولا توجد امكانيات ولا صلاحيات للأقسام العلمية وعميدها، ليس هكذا تعالج مشاكل التعليم بشكل عام والطبي خصوصًا.
سالم أرحومة الخبير في التعليم الطبي أكد أن هناك انهيار تام لمنظومة التعليم العالي والجامعي والطبي على السواء.
وأضاف ما هكذا تدار الامور ولا يجب أن يكون الحل في تقديم الاستقالة، مناشدا بالقيام بوقفة لكل رؤساء الاقسام ونقابة أعضاء هيئة التدريس الجامعي ومجلس كلية الطب بالوقوف في صف العميد واعادة النظر في كل التغييرات التي أثرت سلبا في الأداء، وآخرها إضراب هيئة التدريس السريري والعمل على إصدار قرار جامعة طرابلس للعلوم الطبية المستقلة ومجلس المرافق الصحية التعليمية من قبل مجلس الوزراء بشكل عاجل وإعادة الاعتبار للأستاذ الجامعي الإكلينيكي من مستحقات ومكافآت.
أما الدكتورة هناء الصادق فوجهت تعليقها للحكومة ووزارة التعليم العالي ورئاسة الجامعة وغيرهم وقالت إن عميد كلية الطب قدم استقالته احتجاجا على التلاعب بالتعليم الطبي، وبسبب عدة إجراءات آخرها تعيين رئيس لقسم الباطنة من غير أعضاء هيئة التدريس وإجراء امتحان أقل ما يمكن وصفه به أنه مسرحية سخيفة!، حسب تعبيرها.
استقالة الرابطي لم تمر مرور الكرام في الشارع الليبي وخاصة بين المختصين من الأطباء وأعضاء هيئة التدريس، ولكنها لم تجد حتى الآن صدى لدى الحكومة أو وزارة التعليم العالي، فهل القادم سيكون مزيدا من الانهيار أم أن الصحوة ستدب في رؤوس المسؤولين؟!