«السيفاو»
فتحية الجديدي
جمعتني به تجربة عمل قبل أن تجمعنا علاقة إنسانية واحترام متبادل ، ففي السابق عملنا سويًا طيلة سنوات العمل الصحفي، وبعد 2011 التقيته بضع مرات وتبادلنا حديثاً أبدى خلاله تبرماً من فقدان معايير المهنة وتداخل معطياتها والفوضى التي حصلت في تلك الفترة وتمنى بشيء من الأمل في نبرته أن تسير الأمور وفق المعقول طالما هناك أناس مهنيون مع إطراءاته المحسوبة.
عاد بنا الوقت وعملنا مرة أخرى في العام التالي «2013»، حين كنت أشغل منصب سكرتير التحرير بصحيفة فبراير، وكنت سعيدة بتعاونه معنا، وأثناء تكليفاتي لمحرري الصحيفة بإجراء تغطيات صحفية كان يشاغب للخروج، معترضًا عليىشكل الصور التي تم التقاطها من بعض الزملاء وأيضا التناول السطحي لبعض القضايا.
ذلك كان نابعاً من ذائقته مفرطة الحساسية تجاه الجمال، فكانت الصور التي يلتقطها تتصدر الصفحات الثقافية، إلى أن جاء يوم وقمت بتكليفه بإجراء استطلاع صحفي خول استعدادات شركة الأشغال العامة لفصل الشتاء وفتح وتهيئة غرف التفتيش بشوارع طرابلس بدل الوقوع في مشاكل المستنقعات وقفل الطرق المتكررة، فقال لي أنا أصور حبات المطر وهي تسقط على نوافذ السيارات، وأصور تفاصيل وجهك والسواد في عينيك الذي لم يصوره أحد إلي غاية الآن، نظرت إليه بتمعن فابتسم وأضاف : «مستعد أن أذهب إلي بيت مدير الشركة ووزير المرافق وأقول له هل غرف التفتيش الصرف الصحي في بيتكم مقفلة، وهل يغرق بيتك في فصل الشتاء، وهل تذهب زوجتك إلي العمل وملابسها ملطخة بالوحل، وهل أبناؤك يتغيبون من المدرسة بسبب الغدران؟.. ووو… لم أتردد لحظة في الإسراع بالتنسيق في إجراء لقاء حصري بالخصوص وأكبرت في هذا الرجل شجاعة لا يعنيها إلا مصلحة الناس والبلد، وتوطدت علاقتي به منذ ذلك الحين.
«السيفاو» مصور احتفظ بهويته ولا يقبل الطمس ورجل المفارقات الذي لا يضيع وقته بل يُسخّر كاميراته لتسجيلها.
«السيفاو» الذي تعكس ملامحه الحادة طيبة قلبه ورفضه لكل ما هو مخالف للقاعدة العامة، لا تسعني هذه المساحة إلا أن أحاول إيفاءه بعضاً من حقه، وتسليط الضوء على تجربته التي استمرت لأكثر من خمسين عاماً، ولا لذكر مشاركاته المحلية والدولية لمعارضه للصور الفوتوغرافية والفنون التشكيلية.
غادر السيفاو عالمنا الفاني سنة 2020، ودفن في مسقط رأسه مدينة نالوت لكنه حي في ذاكرتنا بأعماله ومواقفه أيضًا.