بقلم /محمد الهادي الجزيري
يستهلّ الشاعر مجموعته بردّ مدروس ..، فليس ” إجابة ” كما عنْوَنَ هذه القطعة الشعرية الخاطفة ، بل هي موقف ورأي ورؤيا ..، كتبها في كلمات ، قال لنا أنّه يائس تماما من النتيجة النهائية للصراع بين الجمال والقبح ، هكذا بكلّ شعريّة وكلّ لطف ..باح لنا بحقيقة هذا الوجود ..، صراحة برغم سوداوية النتيجة ..أرى أصابع كثيرة تومأ بالموافقة ..ومنها إصبعي طبعا :
” ـ لا كيف ولا أينْ
لم أدركْ
إلاّ أنّ الدنيا حبل مشدود بين فراغينْ
يتساوى البلبل في آخره
وغراب البينْ ”
ويواصل التصريح والتلويح والإيماء في القصيدة الموالية التي تحمل عنوان ” اختصار ” وأنا مشفق عليّ وعليك أيها القارئ الافتراضيّ ..، كيف تواجه هذه الصراحة المغلّفة بالشعر والكلام الرهيف الجميل ..، كم نحن الشعراء قساة على الناس ..، وكم هي قاسية مسيرتنا الخاطفة في عالم الأحياء ..، سأقتطف القصيدة كاملة ..لكي أحسب من جماعة الشاعر ..أقول ما يقول وأفعل ما يفعل :
” نحنُ
من نحنُ ؟
غير كراتٍ من الطين
تلهو بها فكرة مبهمةْ
ربّما تتكسّر
أو تتحجّر
أو يجرف الماء ذرّاتها مُرغمةْ
ربّما أيّ شيء
ولكنّها آخر الأمر تمضي إلى حتفها في المدارْ
هكذا نحنُ
لسنا سوى حفنةٍ من غبارْ ”
الشاعر هو الشاعر في كلّ مكان وزمان ، بقدر ما يكون متأزّما ويائسا وحزينا ، بقدر ما يهطل عليه غيث الأمل والثقة في الغد ، ها إنّ صلاح أبو لاوي برغم أدب المقاومة الذي يؤمن به ، يفتح نافذة للذات التائقة للإنسان في مفهومه المطلق ، ويغنّي له من حين إلى آخر ويهفو إلى ” من تحبّها نفسه ” ، فيتضوّع حنينا لها وجوعا لها ، إنّه الحبّ مفتاح كلّ مغلق وبوّابة كلّ حصن منيع ، استمعوا إلى الشاعر وهو يشدو بمشاعره الفياضة :
” آخر الليل
لا القلب ينصفني فيبوحُ
ولا أنصفتني الحبيبةْ
كالغريب أمرّ على كرمها ظامئا
وتمُرّ على ظمئي كالغربيةْ
يا إله العصافير
خذ حكمتي ولساني
وهبني جناحا وزقزقة
وصباحا يليق بتلك العذوبةْ ”
ويبقى أدب المقاومة ديدن صلاح ، فهو دينه والأرض المغتصبة ستظلّ إلى لحظة انعتاقها آلهة له ولملايين الخلق الذين قاوموا ويقاومون المحتلّ الغاصب ، وهو إلى جانب قنوطه نجده في مقاطع كثيرة مؤمنا بقدسية الحياة وبأنّ الشهيد خالد أبدا ، ها هو يغنّي لمن ذهبوا وما ذهبوا ..فقد خلّفوا ذكريات محفورة في القلب :
” يا عَنانْ
إنّ خلف الحدود نخيلا كثيرا يمدّ يديه
فمدّ يدا للحياةْ
كلّ شيء يموت سوى الشهداء
وما ترك الراحلون من الذكرياتْ
كلّ شيء يموتُ
فإن سألوك فقلْ:
( فعله صغيرهم هذا )
عنانْ ”
ما يهمّني في تجربة الشاعر ..أن ينقل لنا أجواء لحظته في الكتابة، وصلاح أبو لاوي صادق في ما يقول وما يكتب ، فقليلون من يعرفون قسوة ” آخر الليل ” على الشعراء ولا يحسّ بالشاعر المتأزّم إلا أصحابه المنتشرون في الأرض ، لبّيك أيها القلق الخائف المتسائل في جوف الليل ..، قد وصلت رسالتك كاملة :
” آخر الليل
وحدي
وجدران بيتي وحيدةْ
هل تُرى سأصير جدارا
إذا غادرتني القصيدةْ ”
هذه إطلالة خاطفة على مجموعة صلاح أبو لاوي المعنون ” فعله صغيرهم هذا عنان ” الطافحة بالصراع مع سارق الأرض والتاريخ ..، وهي محتفية بالإنسان ومؤمنة به ومجسدة له في أكثر من قصيدة ومقطع في شعرية بالغة ورهيفة، وهي كذلك ..بصدورها في هذا الزمن الخائن المطبّع مع العدو ..، تدلّ على أنّ المقاومة مستمرة وجموع الرافضين للخنوع متدفّقة ..حتّى النصر إن شاء الله…
” لا أطمع من دنياي سوى بالحبّ
وما تمنحني الأحلام من الضوء
وبعض كتابةْ “